يعد حقل الذكاء المالي من الحقول العلمية الأكثر غموضا وأهمية وتعقيدًا، إذ هو مزيج بين ما هو نفسي واجتماعي ومهاري، أي تداخل لمعارف مختلفة ومتقاربة فيما بينها، فالشخص الذكي ماليا هو من استطاع امتلاك رساميل مختلفة ومتنوعة (الرأسمال الثقافي والاقتصادي والاجتماعي)، من هنا بدأ البحث في مجال الذكاء المالي، وانقلبت موازين النجاح في القرن الواحد والعشرين، إذ تغيرت المبادئ والقوانين، وصرنا أمام اقتصاد جديد، أو الأجدر أن نقول أننا في عصر جديد؛ عصر اقتصاد المعرفة.

 وصار للذكاء المالي كتخصص جديد، قيمة كبيرة لدى أغلب الناس، إذ تجد الصغير والكبير يبحث عن طرق جديدة سهلة وميسرة للحصول على المزيد من المال، كما أن ثمة مشكلة أساسية يعاني منها عدد كبير من الأسر، وهي التدبير السيء للمال بحيث أن الناس تقتني أشياءً أو تشتري أشياء كثيرة دون الحاجة إليها، وهذا جانب من البرمجة السلبية التي يتلقاها الفرد داخل محيطه الاجتماعي، من أفكار ومعتقدات سلبية عن المال، وبتلك الطريقة يبني الإنسان اعتقاده الخاطئ عن المال، ويتبنى تمثلات خطيرة وقاتلة للطموح، إذ أن هؤلاء الناس يتخذون من الأعمال التقليدية واستقطاب الأغبياء والمماطلة في إنجاز الأعمال نماذج للذكاء المالي.

أما فيما يتعلق بالوظيفة، فاعتقادات الناس عنها مختلفة، البعض من الناس يرى أن الوظيفة هي الأمان وهي المستقبل الواعد، وهي في حقيقة الأمر، عكس ذلك، فهي الأمان من الفقر، والعقبة في طريق بناء الثروة، فصناعة الثروة تتطلب أن يتوفر الشخص على مهارات تسعفه في إدراك واستيعاب ما ينبغي فعله لتوليد العائد المالي الإضافي، إذ أن الذكي ماليا له إرادة جادة ووعي عميق بلعبة المال، حيث أنه يدرك أن من الضروري أن يقلص الفجوة بين ما يريده، وما يجب عليه القيام به للوصول إلى ما يريد، فهناك إذن استراتيجية ينبغي اتباعها للانعتاق من عبودية الوظيفة إلى الحرية المالية، فالوظيفة عبودية أو بالأحرى عبودية العصر، إذ تجد أن أشخاصا كثر لديهم طاقات وقدرات غير محدودة، ويعانون من أزمات مالية متتالية ويقعون ضحية تفسيرات سطحية، لا تسمن ولا تغني من جوع، ربما لأنهم طيبون وينخرطون بنواياهم الحسنة في إرجاع المال للمجتمع عن طريق أعمال البر والخير والإحسان إلى الآخرين؛ أي يلعبون اللعبة باستخدام قانون العطاء، هم بتلك الطريقة يساهمون في تنشيط دورة المال، من خلال منحه للفقراء والأسر المعوزة ومساعدتهم على سد حاجاتهم لليومية.

 وهنالك صنف آخر من الناس في التعامل مع المال، وهم الماكرون الذين يعتكفون على تحويل المال أو الثروة إلى سلطة لحمايتها ولمضاعفتها قصد الاستمرار في اكتساب المزيد من المال، وهم بتلك الطريقة يلعبون اللعبة باستخدام قانون السلطة، أي يحولون المال إلى سلطة للتحكم فيه ولمواجهة المنافسين في المجال والتضييق عليهم.

من المهم تطبيق القانون الأول في الواقع من خلال تشجيع فعل التطوع ودفع الناس إلى الإحساس بالآخرين والعمل على تحسين الوضعية الاجتماعية لغالبية طبقات المجتمع.

أما الصنف الثالث من الناس في تعاملهم مع المال، هم الحازمون؛ أي الذين يلعبون اللعبة بوعي وبإرادة في تغيير أوضاعهم وأوضاع الآخرين، وهم ضد مبدأ: "أنا ومن بعدي الطوفان"، فهم يلعبون بحذر حتى لا يقعوا في الانجراف، بمعنى آخر؛ يمارسون اللعبة على أساس إحداث توازن في استخدام قانوني العطاء والسلطة.

القانون الأول لمنح المال الشرعية وللمساهمة في التخفيف من الانعكاسات السلبية للذكاء المالي، بحيث يصبح الغني أكثر غنى، والفقير أكثر فقرا، ومن المهم تطبيق القانون الأول في الواقع من خلال تشجيع فعل التطوع ودفع الناس إلى الإحساس بالآخرين والعمل على تحسين الوضعية الاجتماعية لغالبية طبقات المجتمع.

أما تفعيل القانون الثاني، فهو من أجل تنمية المال وحمايته، ومضاعفته من خلال فتح شبكات تواصل مع الجهات الرسمية، للولوج إلى حقل السياسة، مثلا فالبعض من رجال الأعمال يلجون إلى السياسة للتهرب من الضرائب، أو على الأقل للتخفيف من كاهل الضرائب عليهم، إذن للانعتاق من عبودية الوظيفة، لابد من تفعيل قانوني العطاء والسلطة بشكل متوازي دون إفراط ولا تفريط.