صور متشعِّبة كثيرة تتربَّع على شاشة اهتمامات الكثيرين، بداخل كلِّ واحدة تجد كوكبا متكاملا بتفاصيله الدَّقيقة، لكن غالبا ما تُظهرُ لنا تلك الصُّور الجانب الورديَّ فقط في كلِّ حياة، حاجبة ما دونه من تعثُّرات أو تقلُّبات، بريشة فنَّان تمسح أيَّ جروح أو أخطاء وتملأُ النَّواقص ثمَّ تطليها بألوان الثِّقة وتلمِّعها ببريق النَّجاح. و تؤطِّرها باللُّيونة والرَّفاهية والفهم والنُّبوغ إلى غير ذلك من الصِّفات البرَّاقة بمعايير عصرنا.

فنجلس متوشِّحين بثوبِ الحسرة نقلِّب كفًّا على كفٍّ ونضرب بيَد من حديد خذلانَ حظوظنا لنا وقلَّة حيلتنا ونقص إمكانياتنا وقلَّة باعنا في كلِّ شيء، نلتقط لنا صور البؤس والشَّقاء السَّوداء ونضعها جنبا إلى جنب مع صورهم النَّاصعة البهيَّة، ونحمل بأيدينا سَوطا نُبرحُ به أنفسنا جلدا بعد كلِّ مقارنة نجريها.

 بين نقصنا وكمالهم وفراغنا وامتلاء أوقاتهم، وقُبحنا وجمال أشكالهم، ومحدوديتنا وشساعة فكرهم، فنتلاشى وسط الجلد والضَّغط والاستصغار، بين "لو أنَّ لي مثلَ " و "لو كنتُ مثلَ" تتشتَّت ذوات الكثيرين وتضيعُ بوصلة اختياراتهم و تتكاثر اهتماماتُهم بلا اهتمام فعليٍّ، فتبهتُ تفاصيلُهم قبل أن يُلاحظوها و تتوارى عن أنظارهم ميولات وأفكار لطالما حاولت صنع مكان لها في كينوناتهم بشتَّى الطُّرق، ولطالما وخزت بصائرَهم بغية التفاتة واحدة قبل أن تُعمَى.

ويتبقَّى فيهم الفراغ معمِّرا رفوف العقل، يستقبل كلَّ شاردة و واردة ويصفُّها في أروقة الذَّاكرة دون تمحيص أو تدقيق، ليتحوَّلوا من إنسان سويٍّ إلى نزل شعبي عتيق يحوي شمَّاعة أعذار احتياطية في مدخله كزينة يهدِّئ بها أيَّ محاولة انتقاد لوضعه، فلا هم في سعادة ولا هم في شقاء. 

نحتاج إلى إعمالِ كثيرٍ من الحقيقة المنثورة في الكواليس وبعض الواقع أثناء مشاهدتنا لجنانِ الغير، والاكتفاء بالمشاهدة دون مقارنة أو تقليد أو تنقيص من ذواتنا. لأنَّه لو آمن كلُّ شخص بقدراته ونفسه وسعى إلى تنميتها و الاهتمام بها كحبَّة صغيرة، لأنبت ألف سنبلة في كلِّ سنبلة آلاف الأفكار والاهتمامات التي تستحقُّ المتابعة والبحث و العمل عليها.

كما أنَّ ذلك اللَّون الورديَّ الذي نشاهده بانبهار لم يأتِ بالقعود غالبا، قد يكون نتيجةً لانصهار ألوان عديدة من تعب وجهد وعمل و سقوط و تعثُّرات وتبعثُرات أدَّى إلى نضج بذلك الشَّكل الجميل، كما قد يكون واجهةً تخفي شقاءً عميقا! 

ذلك الكنز الأزليُّ الذي لا نهاية لنعيمه والذي نعاني نقصا حادًّا في توفُّره ونستخدم الكمِّية القليلة المتوفِّرة منه في غير محلِّها.

القناعة هي الحلُّ، أن تكتفي بما تملك من ضروريات، أن ترضى عن حياتكَ ببساطتها وتبحث عن كلِّ جميل فيها، ولا بأس في أن تعيشه لوحدك، لا يُشترط أن يسمع عنك الكوكب كلُّه كي تكون سعيدا، لأنَّه مهما بلغت شهرتكَ عنان السَّماء لا بدَّ من وجود شخص لا يعرفك! 

وفِّر طمعكَ للعلم، لا ترضَ ببناء ذاتي بسيط، اصنع لكَ صرحا يوصلُك إلى سحائب المعرفة ويصقل شخصيتك ويزن فكرك و يبري القلم الذي يخطِّط لمصيركَ ومآلكَ.

إن أنتَ فعلتَ ذلك ستتعلَّم كيف تختار قدوتكَ بحق، فتجعل نجاحاتِ غيرك حافزا لك لا مثبِّطا، و كلَّما زاد اطِّلاعكَ ستتوقَّف عن المقارنة و الانبهار!