اسم الكتاب: الوعي الغائب في تميُّز الأمَّة المسلمة.. محاولةٌ جديدةٌ في البحث عن الذات.
التصنيف: فكر إسلامي. 
سنة النشر: 2013م.
دار النشر: الطبعة 1 مكتبة الأمَّة، والطبعة 2 مكتبة أمجاد. 
صفحات الكتاب: 219 صفحة.
خصوصية الكتاب: حاز على الإختيار الأول والوحيد لدى الجمعية الدولية للعلوم والثقافة، في السويد سنة 1434هـ. ضمن سلسلة كتاب:"محمَّد رسول الله". 

تضمن الكتاب سبعة فصول، وقد ذكر الكاتب في مقدمته أنَّ أهميَّة هذا البحث تأتي من خلال الواقع المرَضيِّ الذي تعيشه الأمَّة، ويعرِّج على ضرورة الانتقال من مرحلة ذرف الدموع إلى مرحلة إضاءة الشموع؛ والأمَّة أمام واقعٍ مريرٍ يستحيل على مثقفيها أن تعرف الدواء قبل تشخيص الداء، مشيراً إلى أنَّ أوتار كيان الأمَّة قد ارتخت وهي تحتاج إلى من يعتني بشدِّها وجذبها وتهذيبها، ثم تعرَّض للهزائم النفسية والفكرية التي منيت بها الأمَّة، وأزمة الهوية والانتماء، ومهمة المفكرين تفكيك خيوط هذه الأزمة.

«من ذرف الدموع إلى إضاءة الشموع».. هل أخطأ البعض الطريق؟ 

تكلَّم الدكتور موفق شيخ إبراهيم في الفصل الأول عن بُعْد واقع الأمة عن النظام الإسلامي للحياة، أخذ بدوره يبعدها عن التصور الإسلامي من جديد، مما تسبب في فقدان التوازن العقدي في عالم التصورات، وكذا التوازن الاجتماعي على مستوى السلوكيات. ثم لاحظ حاجـة الدعاة إلى معرفـة سنن الله في التغيير، وإلى قراءةٍ متأنِّيَة في علوم النفس، والاجتماع، والتربية، والتاريخ. وأن المدَّ والجزر في تاريخ الإسلام، وأحوال المسلمين تابعان للمدِّ والجزر في الإيمان، ثم تساءل مستغربًا: متى يعي الذين أخطئوا الطريق من أبنائنا أننا أمَّةٌ نمتلك حضارةً أصيلةً فيها عيون النظريات السياسية، والتربوية، و الفلسفية، والثقافية، والاقتصادية؟ وبعد ذلك تكلم عن سنن الله في الفرد والمجتمع، وهي لا تحابي أحدًا ولا تتخلَّف ولا تتغيَّر.

أن يعرف المُسلم مَوقعه أولا.. «فَمَاءُ المدنية الغربية سرابٌ لا ريَّ فيه!»

في الفصل الثاني، تناول مسألة الوعي بالآخر مؤكدًا أنه يتطلَّب فيما يتطلَّب المعرفة بعقيدته، وفكره، وتاريخه، ومن ثم إدراك حاضره، وموقع هذا الحاضر من عقيدته وتاريخه؛ حيث لابدَّ من هذا الوعي لتحديد القواسم المشتركة، وتحديد المنطلقات الأساسية لكيفية التعامل معه على بصيرة. 

ثم يضيف قائلاً: بات من المعلوم أنَّ من اللزام على المسلم أن يعرف موقعه مع من حوله، وما يرادُ له، وأن يعلم علم اليقين أنَّ المطلوب منه أن يكون صاحب فكرٍ يملك وعياً سياسيَّاً واجتماعيَّاً، ويحسُّ بارتباطه بمصير المجتمع يحلِّل الظواهر، ويعلم مسار التاريخ؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى العالمية، وهو في مكَّة؛ قال لأصحابه ذات يوم:" إنَّ في الحبشة ملكاً لا يظلم أحداً..."، ومراهنة أبي بكر رضي الله عنه على نبوءة أوائل سورة الروم فيها إشارة إلى اهتمام المؤمن بالوضع الدولي. ثم تناول مسألة صراع الحضارات التي أثارها الغربيون بديلاً عن الحوار، وخلص أن ماء المدنية الغربية سرابٌ لا ريَّ فيه، وإنَّ نورها نارٌ تحرق ولا تضيء، مؤكداً للغرب أنَّ كل خناقٍ يَحشده بغية أن يستأصل شأفة هذه الأمَّة كما استأصل الهنود الحمر هو محاولةٌ بائسةٌ، والشعوب المسلمة تؤكِّد مع كل موجةٍ صليبيةٍ جديدةٍ أنَّها تملك رصيداً من القيَم لا يمكن للآخرين النيل منها.

وفي ذات السياق انتقد بعضَ المستغربين من أبناء الشرق الإسلامي مستنكراً عليهم، كيف رضوا على أنفسهم أن يصبحوا سدَنةً للاستبداد السياسي، وعبيداً للعمالة الثقافية! يعزفون على جراح المستضعفين من هذه الأمَّة تحت عباءة الوطنية؛ ويتهجمون على ثوابت الدين باسم التسامح والوسطية.

 

ثم استطرد في الحديث عن تقرير مؤسسة راند، الذي يسعى إلى إضفاء ثوب الغزو الفكري تحت مسمَّى العولمة، من خلال معاول هدم عديدة من أهمها التعليم وتدمير الأسرة المسلمة، ومن خلال نافذتين اتكأ الغرب عليهما بقوة، وهما الشبهات والشهوات مستعينين بالإعلام الموجَّه وبالأدب الرخيص. ثم من خلال استثمار الطغاة شيوخ السلطان، بغية تمرير مشاريعهم المشبوهة والنكدة. 

ويستشهد الكاتب بالعشرات من الأدلة والشواهد والمؤيدات التي تأتي لتُعزّز طرحه وتُؤيده. 

ولا يغفل الكاتب عن الفضح المريع للمشروع الصليبي الصهيوني والطابور الخامس معه من الحداثيين والليبرايين المفتونين بالغرب، إلى أن ينتهي إلى توصيف الغثائية عند المسلمين، ويصنفها من أخطر أمراض المجتمع بسبب إحالتها إيَّاه إلى هيكلٍ متآكل الأطراف، أجوف خالٍ من أسباب القوة والمناعة؛ ممَّا يعين الأمم المتداعية على توجيه ضربةٍ في الصميم لأصحاب الدعوة الحق.

ثم يطرح الكاتب مجموعة من التساؤلات:

* لماذا ينهى الله المؤمن أن يشاور ويثق بمن دونه في التصور والمنهج؟

* لماذا ينادي الله علينا، ونحن نولِّي وجوهنا للحلول المستوردة مرَّة إلى الشرق، وأخرى إلى الغرب.

* لماذا اختصَّ الله هذه الأمة بقبلةٍ واحدةٍ لتولية الوجوه نحوها؟

* لماذا يقارن النصُّ القرآنيُّ في غير ما موضع بين أولياء الله وبين أولياء الشيطان؟.

* لماذا ينهانا الله أن نجامل في تصوراتنا؛ في بيان سورة [الكافرون] على سبيل المثال، وينهانا أيضاً أن نقبل على أنفسنا الهزيمة النفسية والروحية.

* لماذا يعلن أصحاب الدعوات الهدَّامة عن أفكارهم وبدون استحياء، أو أدنى شعورٍ بالحرج تجاهنا! أليس أهل الدعوة الحقِّ أولى أن يرفعوا بها رأساً ويجهروا بِها صوتاً؟!

ومقابل هذه الهجمة الشرسة من أعداء الإسلام، يرى الكاتب أن هذا يتطلَّب منا استرداداً لعناصر القوة التي تساقطت من أيدينا، وتسلَّلت من قلوبنا، واغتُصِبت من عقولنا: منهجاً وتربيةً، وثروة، وتجرداً، واعتقاداً، وجـهاداً، ودفاعاً، واسترداداً للأرض والثقافة والهويَّة.

الإحياءُ الإسلاميّ.. بين المرونة ووواجبِ حماية مصالح الدعوة!  

في الفصل الثالث يُدرِج الكاتب صورًا واقعية من ضياع الهوية وتنكُّر للذات، عند كثير من أبناء المسلمين، وقدَّم لذلك مقدمة ذكر فيها تمثيلاً لمحمَّد إقبال، مبيناً أثر تخلي المرء عن هويته وذاتيته، جاء في منطوقه:" كانت مجموعة من الكباش تعيش في مرعىً وفير الكلأ عيشاً رغيداً، ولكنها أُصيبت بمجموعة من الأسود نزلت بأرض قريبة منها، فكانت تعتدي عليها، وتفترس الكثير منها؛ فخطر ببال كبش كبير منها أن يتخذ وسيلة تريحها من هذا الخطر الداهم الذي يهددها، فرأى أن استخدام السياسة والدهاء والحيلة هو الوسيلة الوحيـدة، فظل يتودَّدُ إلى هذه الأسود في حذر حتى ألفَتهُ وألِفها، فاستغلَّ هذه الإلفة، وبدأ يعظ الأسود، ويدعوها إلى الكفِّ عن إراقة الدماء، وإلى أن تترك أكل اللحم، وأخذ يغريها بأنَّ تارك أكل اللحم مقبول عند الله؛ وأخذ يزين لها الحياة في دَعَةٍ وسكونٍ، ويقبِّح لها الوثب والاعتداء، حتى بدأت الأسود تميل إلى هذا الكلام. فأخذت الأسود تتباطأ في افتراس الكباش، فكانت النتيجة أن استرخت عضلاتها، وتثلَّمت أسنانُها،وتقصَّفت أظافرها، وأصبحت لا تقوى على الجري، ولم تعد قادرة على الافتراس، وبذلك تحولت الأسود إلى أغنام .. لماذا؟ لأنها تخلَّت عن خصائصها وفقدت ذاتيتها".

ثم عرض بعض الأمثلة التي تدلُّ على مدى الهزيمة النفسية، والفكرية التي منيت بها الأمَّة، وهي صور من الواقع عرضها للتدليل على الذي أصاب هويتنا في مقتل، ومنها التي حملت في مضمونها الجرأة المنكودة على ثوابتنا إذ لولا ضعفنا لما استبيحت بيضتُنا.

وفي الفصل الرابع رأى الكاتب أنه يتوجَّب على الحركات الإسلامية مراجعة برامجها، وخططها، ومواقفها التي ينبغي أن تتَّسم بالوضوح، والصراحة دون مساومةٍ، أو مهادنةٍ للباطل تحت مسمَّى المرونة، ومصلحة الدعوة. على أن يترافق ذلك كلُّه مع استشعارِ العزَّة الإيمانية، والفهمِ الصحيحٍ لطبيعة المرحلة. وهذا وقت تمايز الصفوف، وأثنى على المرابطين على ثغور الحق، والذين اعتبروا نصرة هذا الدين جزءاً من نسيجهم الإيماني.

ورأى أن عملية الإحياء الإسلامي إنما تبدأ من إسقاط اللافتات الكاذبة، وكشف المقولات الغامضة، وفضح الشعارات الملبِّسة التي تتخفَّى وراءها العلمانية الكافرة بأفكارها وأفرادها وتجمعاتها لتبثَّ سمومها في عقول وقلوب أبناء هذه الأمَّة، وتلبِّس على العامَّة أمر دينهم وعقيدتهم، بل تحفزُّهم ضدَّ إخوانهم الصادقين الواعين بحقيقة هذا الصراع المنبهين إلي خطره الداهم على الدين وأهله. 

الهويّة كأقوى جهازٍ مناعيّ.. ما هي الأوجُه الأخرى لتميُّز الأمّة المُسلمة؟  

انتقل الكاتب في الفصل الخامس إلى تعداد وجوه تميُّز الأمة المسلمة، في التصور والاعتقاد، وفي القبلة والعبادة، وتميُّزها من حيث ارتباطها بمنهج السماء والتصاقها به، وتميُّزها من حيث امتلاكها للوازع والضمير الديني، وتميزها من حيث التزامها بمنهجٍ قادرٍ على أن يجعل منتسبيه في بوتقةٍ واحدةٍ، وتميزها من حيث تدينها بفطرتها، وتميُّزها من حيث هي جسم البشرية المناعي والمصل الواقي، وتميُّزها من حيث ولائها ومعاداتها، وتميُّزها من حيث أنها أمَّة معطاءة، وتميزها في عاداتها، وكذا في أهدافها، وأيضاً في تاريخها وذاتيتها وثقافتها، وفي حضارتها ووشيجتها التي تربطها بالآخرين من أبناء دينها، وتميُّزها في لغتها وفي صدارتها لباقي الأمم، و تميُّزها من حيث الجمع لحياة أفرادها بين الدنيا والآخرة، وتميُّزها في اللافتة والعنوان، ومن حيث أنَّها الأمة الوسط، وأخيراً وليس آخراً تميُّزها في اتخاذ مرجعيةٍ واحدةٍ لحياة أفرادها، والاحتكام إليها.

وفي الفصل السادس يرى الكاتب أن الهوية هي الجسم المناعي ضدَّ كلَّ دخيل في ثناياه الموت المحقق، وفي حال فقد الفرد المسلم هذا الجهاز المناعي الذي يمثِّل مركز الدفاع الأول والثاني والأخير في البنية الروحية والفكرية له، كان عرضة للمشي خلف كلِّ ناعق، ولو كان الأخير شبَه الغراب! عن عليٍّ رضي الله عنه قال:" الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلِّم على سبيل نجاة، والباقي رعاعٌ أتباع كلِّ ناعق". وأنَّ التغيير المجتمعي العام يبدأ من الفكر. وغير المسلمين قد فقدوا [البوصلة]، وجانبوا الصواب، وضلُّوا الطريق؛ فاضطربت عندهم الموازين، واختلفت لديهم المفاهيم، فاستخرجوا من مقدماتٍ امتلكوها نتائج خاطئة.

 ثم ينتهي إلى القول: " ما أجدر بنا أن يعشعش الإسلام في جنبات نفوسنا فكرة ومنهجاً، الفكرة هي بمثابة جذور للشجرة المؤمَّل أن تكون باسقة مثمرة مورقة بالعطاء. أنبتها الله على أرض صلبة لا تقبل تزييف الحقائق أو تقبل التميّعُ في السلوكيات، وهذا العطاء لها هو المنهج في أبهى صوره وأنصع أشكاله ". 

وفي الفصل الأخير يرى الكاتب أنَّ الأمَّة مستهدفة لذاتها ولدينها؛ وآن لها أن تنشبَّ عن الطوق، وتُحكِم كسر القيد، لتخطو خطوات ملموسة مبصرة عل طريق البناء الذاتي، تتخلَّى من خلاله عن قبول التبعية والضعف، والإنهزام النفسي.  

والدارس للإسلام يعلم أنَّه القوة الدافعة التي تفجِّر طاقات الأمَّة، وتبعثها من جديد، وأنَّه كالماء القويِّ الدافق لابدَّ للدعوة إليه أن تجد لها مجرىً ولو بين الصخور.

وفي خاتمة الكتاب تقرير وإعلان أنَّ فقدان ذاكرة الماضي يودي بنا إلى فراغٍ روحيٍّ، وعندما ألغت تركيا العلمانية الحروف العربية، أضاعت من عهدتها كنوز الماضي المحفوظ في دفَّة الكلمات المكتوبة، وما علموا أن الاستغناء عن المقدَّس هو انتحار للذات، وتدمير للحياة. 

ومما أكدّ عليه قوله: "لن يحلم الحداثيون أن يصلوا إلى مبتغاهم للفصام القائم بين أفكارهم، وبين مشاعر الأمَّة حيث لا تناغم ولا انسجام بينهما". قال الفيلسوف المسلم إقبال رحمه الله:" إنني يائسٌ من دعاة التجديد في الشرق فقد حضروا في نادي الشرق بأكواب فارغة، وبضاعة مزجاة في العلم والفكر! "