إننا نتحدث في عصرٍ أصبح فيه الطفل الذي ما يلبث أن يتفاعل مع الأشياء حتى يحمل هاتفًا يُصبح من أقرب الأصدقاء إليه، طفلٌ لم يتجاوز عمره العامين يُمسك بالهاتف ينقُر بإصبعه الصغير ويستمع ويشاهد الفيديوهات بألوانها البرّاقة وأصواتها الجاذبة، وما إن يُدرك حتى ننتقل لفتح الداتا أو الوايفاي والذي غالبًا ما ينطقه "فايفاي! " ليتجه مباشرةً إلى فتح اليوتيوب ومشاهدة الفيديوهات ثم "قوقل بلاي"أو"الآب ستور" لتحميل الألعاب، بعدها للاستديو لمشاهدة الصور، وما أن يتعلم الكتابة حتى يتجه لقوقل ويدخل عالم "السيرش" متحججًا بحل الواجبات المدرسية عبر الانترنت! هذا في عالمنا العربي قبل أن نتعامل مع (إنترنت الأشياء) بشكل حقيقي، فكيف يصبح الحال عند أجيالٍ ستجد محيطها يتحرك ويعمل بالإنترنت؟! فهل يُساعد الإنترنت بما يحتويه من عوالم وطُرقات في زيادة استيعاب الطفل في مراحله الأولى؟ وكيف نُساهم في إثراء علاقة أطفالنا بالانترنت؟ لنجعل منه مصدرًا صحيًا وآمنًا للطفل!

إن موضوع علاقة الطفل والإنترنت وإن كان متجذرًا لأعماقٍ بعيدة ومسافات طويلة فإنني في هذا المقال بصدد تناول أحد هذه الجذور والتي تتمثل في رؤية الجانب الإيجابي الذي يُمكن أن يفيد أطفالنا في التعلُم من الإنترنت في طفولتهم، بدلًا عن المراقبة الدائمة "المستحيلة" للطفل وما يُشاهده. فنحاول أن نستدل بالدراسات والخبرات التي أُجرِيَت حول طرق تعامل الآباء عسى أن نُقدم للقارئ نصائح مفيده تُنتج لنا جيلًا قويمًا غير مُختل ولا مشوش بما يمكن أن يشاهده من مضايقات أو مناظر مُخلّة وأفكار تشكيكية قد تؤثر سلبًا على الطفل. 

إستراتيجيات الآباء

يعمل العديد من الناس مع بعض لدعم أمان الأطفال على الإنترنت، بما في ذلك الحكومات والمعلمون ومقدمو الخدمات ووكالات رعاية الأطفال والآباء وحتى الأطفال أنفسهم. وفي يوم الإنترنت العالمي من عام 2012 والذي كان بشعار "توصيل الأجيال" تم التطرُق للسؤال عن ما إذا كان بإمكان الآباء دعم أمان أطفالهم على الإنترنت، وذلك من خلال عرض التجارب الإيجابية لإستخدامهم الانترنت مع أطفالهم بدلًا عن فرض القيود، وقد اختلف الآباء في استراتيجيات تعاملهم مع أمان أطفالهم وتقليل المخاطر عبر الإنترنت دون التضحية بفرص الاستفادة، وقد قارن الاتحاد الأوروبي هذه الاستراتيجيات في أحد دراساته الإستقصائية التي ضمت 25 دولة [1]، انظر للمخطط الذي يوضح استراتيجيات الوساطة الأبوية لتلك الدراسة والتي قسمت الأطفال إلى فئتين [من9 -12 عام و13-16 عام].

استراتيجيات الوساطة الأبوية| دراسة استقصائية| الإتحاد الأوروبي 

نُلاحظ أن معظم الآباء اتفقوا على منع أبنائهم من إعطاء معلومات شخصية للآخرين عبر الإنترنت، وهو فعلا موضوع كبير، وخطير فالمعلومات الشخصية يمكن أن تُستغلَ سلبًا.

هل تُعتبر (البيئة خطرة) حقًا؟ 

هناك تصور بأن الإنترنت "يخرب طبع الأطفال" باعتباره بيئة خطرة، وأنهم سيتعلمون أشياء غير صحيحة منه. والحقيقة أن الأدلة على المساوئ نادرة. لأن الإنترنت يُعتبر سيف ذو حدين بالنسبة للأطفال، فإهمالنا للطفل عند استخدامه للشبكة قد يؤدي به إلى عوالم قذرة وإجرامية حتى، بينما يمكن في ظروف الاستخدام الآمن بشاشات ظاهرة والمراقبة العامة أن نُعرف ذلك الصغير بصديقٍ عبقريٍ مميز يُسمى الشبكة، يمكن من خلاله أن يرتقي بالمعرفة والعلوم المختلفة ليرسم مستقبله الباهر. كما يمكن للطفل مشاركة أصدقائه في البحث، فالأطفال عمومًا عندما يعملون في مجموعات حول جهاز كمبيوتر ويبحثون في موضوع أو فكرة، فإنهم يجدون دائمًا الإجابات الصحيحة بتفاعلهم مع بعضهم البعض ويقومون بتصحيح المفاهيم الخاطئة بسرعة [2].

وقد تم تطوير الكثير من التطبيقات والقيود الأمنية لحفظ سلامة الطفل، فحتى المتصفحات تم تحديد جزء منها للأطفال ويوتيوب خاص للصغار، كما تم أيضًا تطوير برامج تعليمية حتى، فيمكن للأطفال تعلُم البرمجة من منازلهم عبر عدة مواقع مثل موقع code. org الذي يُعلمهم البرمجة عن طريق اللعب! 

الإنترنت والعلاقات الإجتماعية 

يخاف الكثير من الآباء من فكرة انعزال الطفل عن المجتمع وإدمانه للإنترنت، والقولُ هنا أن لا تستدعي المشكلة ثم تشتكي منها! فمآل الطفل في النهاية يرجع إلى كيفية وصول الطفل للشبكة، فإن كنت تعطيه جهازًا خاصًا وشبكة متاحة في غرفته وبدون تدخل لا تأتي في النهاية شاكيًا. فالاستخدام كما أسلفت يحتاج للمراقبة ويُستحسن أن نحدد للطفل مكان إستخدام الجهاز بحيث يمكننا مراقبته ومتابعة ما يشاهده من أي مكان بدون أن يشعر بمُراقبتنا الدائمة له. 

 

يمكن للطفل أن يكتسب المراقبة الذاتية عندما يصل للانترنت عبر بيئة تعليمية آمنة، كما أن الفيديوهات التعليمية الحالية تساعدة على سرعة الحفظ والتعلم كما الكتابة، فنجد أننا يمكن من خلال البرامج التعليمية المنظمة أن نُمكن الطفل من تعلُم عدة لُغات من منزله. مُجرد فكرة أن الطفل يختار ما يُشاهده بنفسه ورجوعه للمشاهدات أو المواضيع السابقة يعزز ثقته النفسية وسُلطته في الإختيار. 

ويمكن للطفل عبر الانترنت أن يُنشئ شبكة علاقات واسعة وعالمية حتى، ويبدأ بالتعامل مع شخصيات مختلفة، والأمر أيضا ليس بالجلل، فيمكن عبر الإجتماعات المنظمة من المدارس أو المراكز المختصة أن تصل الأطفال بأقرانهم في بلد آخر لطرح مواضيع محددة وتبادل خبرات عديدة، كما يعمل برنامج "granny cloud" منذ العام 2009م. [2] 

ووفقا لما ذكر في موقع parenting في موضوع خاص بأمان الطفل عبر الانترنت قُدمت هذه النصائح:

  • يمكن للآباء أن يكونوا على تواجد واتصال بأطفالهم في العالم الإلكتروني. 
  • تحديد قواعد منزلية: يمكن أن تحدد عدد الساعات المُتاحة للطفل على الانترنت كما المواقع التي يمكنه زيارتها
  • علمه كيف يحمي نفسه: يمكن تعليم الطفل مفهوم الخصوصية وحفظ معلوماته، وعدم الرد على الرسائل الغريبة وفتح المصادر غير المعروفة.
  • اختيار المكان: اعلم أن المكان الذي تضع فيه الجهاز (سواء محمول أو غيره) مهم، فوضعه في مكان مكشوف ييسر المراقبة
  • كُن الشخص الذي يلجأ إليه: علم الطفل أنه عند حدوث أي مضايقات أو شيء غير مألوف أن يلجأ إليك، وأنك بالتالي لن تبالغ في ردة فعلك ولن تحرمه من الإنترنت أو تقلل من إستخدامه له.
  • اجعل من مزود الخدمة ISP حليفًا لك: معظم المواقع تحوي عناصر تحكم الوالدين المجانية والتي يمكن أن تحد من وصول الأطفال إلى مواقع الويب وميزات الاتصال من بريد إلكتروني ورسائل فورية ودردشات حسب العمر وفئات المحتوى والوقت وخيارات أخرى.
  • اجعل متصفحك يعمل مرتين: إذا كان مزود خدمة الإنترنت الخاص بك يفتقر إلى تلك القدرة، فلا يزال لديك بعض خيارات التصفح الآمن في متصفحك فلدى Internet Explorer مرشد للمحتوى (ضمن الأدوات / خيارات / محتوى الإنترنت)، والذي يقوم بتصفية اللغة والعُري والجنس والعنف على مقياس من 0 إلى 4. كما أن لدى Netscape وSafari (لمستخدمي Mac) عناصر تحكم الوالدين مثل التصفية أيضًا. لن يتيح لك استخدام متصفحك النتائج الشاملة التي يمكن أن ينتجها منتج الأمان أو موفر خدمة الإنترنت الخاص بك، ولكن يمكن أن يكون مناسبًا للأوقات التي تجلس فيها بجوار طفلك الصغير الذي يتصفح الإنترنت. وغيرها المزيد، أنصح بقراءة ذلك المقال كاملًا. [3]

فلسفة جانبية!

إننا وبالقياس على أنفسنا بتنا اليوم شبه مكشوفين للعالم الخارجي، تواريخنا المهمة، ما نحب وما نكره، أصدقائنا، عائلاتنا، أحزاننا وأفراحنا، وحتى ميولاتنا السياسية والدينية واهتماماتنا العلمية، كل هذه الخصوصيات سكبناها بملء إرادتنا على بلاط سوشيال ميديا، كما أصبحنا نشتري ببطاقاتنا عبر المواقع المختلفة، ومع علمنا بخطورة هذه الأشياء وإمكانية إستخدامها الغير سوِي في الابتزاز والتهديد والغش لكننا لا زلنا نتعامل به، وبصفتي أحد مختصي الحاسوب أعلم جيدًا أنه لا يوجد أمان كامل في الأنترنت، طالما أنت متصل فأنت مهدد، لكننا لا نمتنع عن استخدامه لأجل الخوف فالموضوع يحتاج مخاطرة لما نجده من نفع كبير في الشبكة! لكننا نعتبر أنفسنا "عُقلاء" مقارنةً بالأطفال (و رُبّ طفلٍ أعقل من كبير).