ورقة بحثية
تقرؤون في هذه الورقة:
- إدارة الطوارئ والأزمات
- مواطن اختلاف أزمة كورونا عن غيرها - إيجابيات وسلبيات
- أنواع الشركات والمؤسسات وطبيعة البيئة المحيطة
- ثقافة الشركة وعلاقتها بوقت الأزمات
- الأيام الممطرة
- ماذا يفعل من لم يستعد؟
- دور قسم الموارد البشرية وقت الأزمات
- الوظائف والرواتب
- التواصل الداخلي والخارجي
- متابعة الروح السائدة
- تحديث إجراءات الوقاية والسلامة
- توفير وسائل الدعم الممكنة
- إدارة أداء الموظفين
- تقديم الدعم والنصح لمجلس الإدارة
- المسؤولية المجتمعية
- قائمة الشرف والقائمة السوداء
- حتمية التفكير فيما بعد الأزمة
- الثقة والأخلاق
- بين المواطن والدولة
- بين الشركة والدولة
- بين الموظف والشركة
- ضرورة الإبداع
- مصادر مساعدة
إدارة الطوارئ والأزمات
إن أزمة كورونا على اتساعها وشمولها وخطورتها، ما هي إلا أحد التحديات التي تواجهها الشركات كل يوم. فما بين ركود عالمي وكساد اقتصادي، وما بين أحداث سياسية عالمية ومحلية، وما بين كوارث طبيعية وغيرها من الطوارئ والأزمات، تجد الشركات نفسها في مآزق وأوقات عصيبة تُختبر خلالها قوة التخطيط، وفعالية السياسات، والخامة الحقيقية للقادة فيها... وقبل كل شيئ، تختبر الأزمات القيمَ التي تقول الشركات أنها تؤمن بها وتتبناها! اليوم نتحدث تحديدًا عن تحديات إدارة الموارد البشرية في زمن أزمة كورونا. ولا نستطيع أن نتجاهل أيضًا أخلاقيات وقيم الشركات مع منافسيها ومع عملائها. فلقد فرضت مواقف الشركات نفسها في الفترة الأخيرة وقدّمت الكثير من النقاط التي تثير التساؤل أو التفكير ومنها من يقدّم بالفعل نماذج مشرّفة يُحتذى بها. لذلك جمعت لكم أيضًا بعضًا من تلك النماذج في سياق الحديث.
مواطن اختلاف أزمة كورونا عن غيرها - إيجابيات وسلبيات
هناك فوارق أساسية تفصل أزمة كورونا عن غيرها من الأزمات التي تتعرض لها الشركات بشكل مستمر. ولكل من هذه الفوارق بعض السلبيات وربما بعض الإيجابيات أيضًا!
الفارق الأساسي هو شمولية هذه الأزمة لكل وظائف الشركة الواحدة ولكل فروعها على مستوى العالم. ففي أزمات سابقة عاصرناها مثلاً أثناء الأعاصير المتتالية على الولايات المتحدة الأمريكية أو في الشرق الآسيوي، كنا نرى أن الشركات ذات المواقع العالمية، كانت تستطيع الاستنجاد بمراكزها في البلاد الأخرى والاعتماد عليها في استمرار الانتاجية وفي تقديم الموارد والدعم للفروع المتضررة. أما أزمة كورونا، فالضرر داخل كل شركة قد طال كل مراحل الإنتاج في الشركة، وكل أقسامها وفروعها؛ مما يصيب العمل بالشلل التام.
الجانب المضيئ الواضح هنا هو أن الضرر الذي لحق بشركة ما، هو قد لحق بكل منافسيها أيضًا. وبالتالي لن يتقدم أحدهم على حساب الآخر في نفس المجال.
هذا يختبر أخلاقيات الشركات ويسمح بمساحة جيدة لفرص التعاون بين الشركات في القطاع الواحد في سبيل انقاذ الجميع. فمثلاً، قامت شركة "ميدترونيك" Medtronic المتخصصة في انتاج المعدات الطبية بإتاحة مواصفات التصميم لأحد أجهزتها للتنفس الصناعي وتنازلت عن حقوق الملكية. وبذلك هي تعطي الفرصة لكل من لديه إمكانية التصنيع حسب المواصفات، بأن يقوم بالتصنيع وتوفير منتج حيوي يحتاجه العالم في وقتٍ حرج. وسيبقى هذا التصرف النبيل في ذاكرة الأمم كمثال يُحتذى به وقت الأزمات... وربما فتح أبواب تعاون بين الشركات من نفس التخصص في المستقبل!
الفارق الثاني الهام هو تضرر العالم بأسره من هذه الأزمة على مستوى الأفراد والحكومات والصناعات المتنوعة. هذا بالتأكيد وضع مأساوى يضع الجميع في وضعية الصراع من أجل البقاء. ولكنه أيضًا يحقق نتيجتين هامتين. الأولى هي "التفهّم"؛ تفهّم الجميع لظروف الجميع. فالشركة تتفهم ما يمر به الموظف، والموظف يتفهم ما تمر به الشركة، والحكومة تتفهم ما يمر به كل من المواطن وصاحب الشركة. وبالتالي، من المفترض أن يُنتج هذا "التفهم" بيئة تعاون، وموازنة، وتضحية، وتفاوض لإيجاد حلول تساعد جميع الأطراف.
الميزة الثانية، هي أن هذا الوضع العام والشامل، يقتضي من الدولة تقديم المساعدات للشركات والأفراد. فالوضع الراهن ليس خطأ شركة ما، ولا يمس قطاع ما يعاني أزمة بسبب تغيرات السوق. بل هو وضع غير مسبوق ولا حيلة لأحد فيه. وبالتالي في الغالب ما تتدخل الحكومات سواء بالمساعدات المباشرة للشركات أو بالإعفاءات الضريبية وتقديم تسهيلات للاقتراض.
الفارق الثالث الذي نستطيع أن نلقى عليه الضوء اليوم، هو أن أزمة كورونا تضرب المورد الأساسي للإنسان وهو صحته وقدرته على العمل. لذلك فهو يختلف عن وضع شركة في محيط ظروف اقتصادية صعبة مثلا، يستطيع موظفوها العمل تحت ضغط عصبي. بل هناك خطورة في الوجود الجسدي للموظفين وإذا انتشرت العدوى، لا قدّر الله بينهم، صارت كارثة فردية ومجتمعية ومهنية.
أنواع الشركات والمؤسسات وطبيعة البيئة المحيطة
تختلف الشركات والمؤسسات في مدى تأثرها بأزمة كورونا. يمكن تقديم التقسيم التالي:
مؤسسات خيرية غير ربحية تأثرت بسبب اعتمادها على التبرعات التي تندر في أوقات الأزمات. بينما تقدم هذه المؤسسات المجتمعية دور هام جدًا أثناء الأزمة لعنايتها بمن هم أقل حظًا، والمشردين، والمسنين، والهاربين من العنف الأسري وغيرهم ممن هم في أمسّ الحاجة للمساعدة أثناء هذه الفترة.
الجانب المضيئ هنا هو أن بسبب الطبيعة الرسالية لهذه المؤسسات، غالبًا ما تجد الدعم من المؤمنين بها، وتجد من يود التطوع معها ومساعدتها أثناء الأزمات. كما تحصل في الغالب على دعم حكومي. وبهذا هي ليست من المؤسسات المتأثرة بضررٍ بالغ أثناء الأزمة. بل هي من المؤسسات التي تقدم الدعم للمحتاجين كجزء من دورها المجتمعي.
شركات ازدهرت وانتعشت بسبب الأزمة وتحاول مواكبة الطلب في السوق. هذه الشركات والمؤسسات هي في قطاع الخدمات والمنتجات الطبية، والأغذية، والمنظفات، ومحلات بيع الأغذية، والصيدليات، والتقنية، ومنصات التعليم الإلكتروني، وتوصيل الطلبات، والتغليف، والبريد الخاص، والزراعة، والإنتاج المحلي للأغذية، وأعمال البناء والإنشاء للمشافي والمعامل، وشركات البحوث العلمية، والأدوية، والتصنيع والتوزيع المتعلق بكل هذا، ومحاميّ الوصايا وإجراءات التوكيلات القانونية، وخدمات الدفن، والتغطية الإعلامية وغيرها من القطاعات الأساسية. هذه الشركات تضاعف مدخولها ونعوّل عليها كثيرًا أثناء الأزمات لتوظيف المزيد من الموظفين (الذين قد يكونوا قد خسروا وظائفهم)، ولدعم موظفيهم، ولتقديم الدعم للمؤسسات الخيرية والجهود الحكومية.
شركات صغيرة ومتوسطة تضررت بشكل كبير. تقدّم هذه الورقة بعض المُقترحات لهم لاحقًا.
أفراد ذوو عمل مستقل بعضهم يقع مجاله ضمن المجالات الحيوية التي لم تتأثر، بل انتعشت وازدهرت. وبعضهم تعرض لضرر كبير ولكنه لا يتحمل نفقات فريق عمل وعليه أن يسعى إلى:
- تأمين احتياجاته وأسرته فقط.
- الاستغناء عن المصاريف غير الضرورية كنفقات استئجار مكتب واشتراكات الخدمات غير الأساسية.
- البحث عن فرص تطوير عمله حسب الأزمة ليستطيع تقديم خدماته الكترونيًا على سبيل المثال.
- التفكير في تغيير مجال العمل مؤقتًا والانضمام للصناعات الأساسية التي تسعى الحكومة والشركات لتوظيف المزيد من العاملين فيها
- الاستعانة ببعض من مدخراته إن وُجدت.
- الاستعانة ببرامج الدعم الحكومية إن وُجدت.
ثقافة الشركة وعلاقتها بوقت الأزمات
ثقافة الشركة وقيمها هي ما يحدد نوعية الإجراءات التي تتخذها الشركات وقت الأزمات. فالشركة التي تنظر للموظف على أنه ترس في آلتها الإنتاجية يمكن التخلي عنه عند توقف عجلة الإنتاج واستبداله بترس جديد بعد انتهاء الأزمة، يمكن أن تلجأ لإجراءات لا تأخذ الموظف بعين الاعتبار. بينما الشركات التي تنظر للموظف على أنه "شريك" في العمل، وجزء من "أسرة" العمل، وأحد "مواردها" الهامة، بالتأكيد ستأخذ القرارات بشكل مختلف. راجع الدورة المجانية إدارة الموارد البشرية على منصة أكاديمية عمران للتدريب، للحصول على المزيد من المعلومات حول ثقافة الشركات.
أهم ما يشغل اهتمام الموظف الآن والشركات أيضًا هو معضلة الحفاظ على العمالة والتوظيف واستمرار صرف الرواتب في ظل نقص الموارد المالية وانقطاع أو تعطّل نشاط الشركة أو المؤسسة. وهذا في غاية الأهمية لأنه أساس العلاقة بين الموظف والشركة: خدمة مقابل مال. ولكن الشركات المميزة لا ينبغي أن تغفل عن بقية منظومة إدارة الموارد البشرية أثناء الأزمات. فيما يلي، بعض الجوانب التي ينبغي مراعاتها.
الأيام الممطرة
أي دولة أو مؤسسة ربحية ينبغي أن يكون لديها احتياطي نقدي للأزمات. إن الادخار للأيام الممطرة لهو من أساسيات موازنات الشركات والدول. ويأتي هذا الاحتياطي النقدي لإنقاذ الموقف أثناء الأزمات ويتيح للشركة أن:
- تستطيع أن تستمر في أنشطتها
- تستطيع أن تحتفظ بموظفيها
- تستطيع أن تقدم العون للمجتمع
بالطبع للدول دور في مساعدة الشركات على تجاوز الأزمة، ولكن إذا لم تأتِ هذه المساعدات الحكومية، يأتي احتياطي النقد لدى الشركات ليقوم بالعمل المطلوب. إن شركة يقصم ظهرها أسبوعان من توقف العمل ولا تملك احتياطي يغطي تكاليفها لمدة عدة أشهر، ينبغي أن تراجع استراتيجيتها في العمل. إن الاستعداد للأزمات، هو جزء لا يتجزأ من أدوار القادة في الدول والمؤسسات.
ماذا يفعل من لم يستعد؟
تحتاج الشركات التي لم تستعد جيدًا لأزمة مثل التي نمر بها والشركات التي استعدت أيضًا، إلى الابداع والابتكار في طرق استمراية العمل ودرّ الدخل. فيما يلي بعض المُقترحات:
التفكير في تغيير نشاط الشركة بشكل مؤقت. مثلاً في كندا، تحولت بعض مصانع قطع غيار السيارات إلى ورش لإنتاج المعدات طبية، والمعقمات، وأقنعة الوجه وغيرها من المنتجات المطلوبة حاليًا.
التعديل في أدوار العاملين إن أمكن وحسب متطلبات الأزمة. مثلاً عامل المطعم الذي كان يعاون العملاء في المطعم، يمكن أن يتحول دوره لعامل توصيل الوجبات للمنازل.
التعديل في آلية تأدية العمل والاعتماد على الوسائل التي توفرها التكنولوجيا قدر الإمكان. مثلاً، يمكن لدار النشر التي كانت تعتمد على بيع الكتب الورقية، أن تقوم بتحويلها إلى تطبيقات الكترونية أو ترفعها بشكل محمي وآمن إلى مكتبة إلكترونية يشترك فيها العملاء بمبالغ مناسبة.
توفير خدمات جديدة أو تقديم حلول حسب مقتضيات الأزمة وحسب نشاط الشركة أو حتى صاحب العمل المستقل. مثلاً يمكن لشركات الأثاث أو لمصمم ديكور أن يعرض خطًا جديدًا من الخدمات تتعلق بمساعدة العاملين من المنزل على تحويل ركن من المنزل كمكتب للعمل أو الدراسة. ويمكن لشركات التقنية، توفير خدمات جديدة تساعد عملائها الحاليين والجدد على بيع منتجاتهم وتسويقها الكترونيًا وتوفير أدوات الاجتماع وإدارة الفريق عن بعد، وعرض تدريب فرق العمل على استخدامها. وغير ذلك من الأفكار الإبداعية.
تقليص النفقات بطرق تتماشى مع الأزمة. مثلاً، يمكن تقليص مساحات المكاتب المُستأجرة عن طريق السماح للعمالة بالعمل من المنزل وبالتالي يمكن تخفيض نفقات استئجار المكاتب الفعلية وتقليل نفقاتها.
يمكن أيضًا التخلص تمامًا من مواقع مكاتب العمل وإتاحة العمل عن بعد وتوفير التقنية اللازمة لذلك. مثلاً يمكن لشركات الاتصالات اغلاق جميع مكاتبها وتيسير التقديم على خطوط الهاتف وتوفير خدمة العملاء عن طريق نفس الموظفين ولكن من المنزل. وإتاحة عدد محدود من الفروع في كل مدينة يختص فقط بالإصلاحات الفعلية للهواتف والتي تحتاج قدوم العميل.
تقليص نفقات السفر والرحلات والانفاق غير الضروري في هذه المرحلة.
الاستفادة الأمينة من البرامج الحكومية للدعم المالي للشركات إن وجدت.
دور قسم الموارد البشرية وقت الأزمات
يقع على عاتق قسم إدارة الموارد البشرية، الكثير من المهام وقت الأزمات. نذكر منها الأدوار التالية:
الوظائف والرواتب
لعل أهم تحدٍ يواجه الشركات اليوم هو اتخاذ القرار بالنسبة للعمالة والرواتب. فالشركات وجدت نفسها فجأة في محل اتخاذ القرار بشأن الابقاء على الموظف أو التخلي عن خدماته في ظل توقف المدخول المعتاد للشركة وتوقف انتاجها وأنشطتها. والأمر معقد فعلاً لأن الشركة توقف نشاطها بدون خطأ من الشركة نفسها وتوقفت خدمات الموظف ولا يوجد عمل مطلوب منه يستهلك وقته الذي يأخذ عليه المقابل المادي. وفي نفس الوقت، الموظف قد وطّن نفسه على أمان مالي ووظيفي معين وليس من خطأه أيضًا أن أعمال الشركة قد توقفت. نحتاج حلولاً إبداعية بحيث لا يكون هناك طرف واحد خاسر في المعادلة، إما الموظف أو الشركة.
وفق نوع الشركة ومعطياتها، تكون الإجراءات التي يمكن للشركة أن تتخذها. فيما يلي بعض المقترحات:
البدء برأس الهرم. قبل أن تمتد يد إلى مخصصات رواتب الموظفين في هذه الظروف الاستثنائية، ينبغي أن تأخذ الشركات الاحترافية القرار بتخفيض رواتب ومخصصات وامتيازات فريق مجلس الإدارة والموظفين الكبار. هذا من ناحية يُظهر حسن نية الشركة وجديتها في الإبقاء على موظفيها. كما أنه يرسل رسالة قوية أيضًا بأهمية كل موظف ويلقي الضوء على الجهود الجادة لإيجاد حلول عادلة.
اتخاذ إجراءات كما تم ذكره سابقًا بخصوص إمكانية تغيير النشاط، وتقليل المصاريف، وتغيير آلية العمل، والتعديل في أدوار الموظفين وغيرها من الإجراءات التي من شأنها ضمان استمرار العمالة مع عدم وضع عبء مالي كبير على الشركة.
اتاحة إمكانية الاقتراض للموظفين مع تحديد حد أقصى لمبلغ الاستدانة ومعايير يسيرة ومرنة للسداد تتماشى مع تطورات الأزمة العالمية.
تفعيل تخفيض جزئي في رواتب كل الموظفين بالتراضي معهم بدلاً من التخلي عن بعض الموظفين.
تحويل بعض الموظفين من دوام كامل لدوام جزئي مع إعطاء امتيازات ومحاولة تعويض الموظف بتقديم تخفيضات إضافية له على منتجات أو خدمات الشركة وتقديم تأمينات اجتماعية له أو أي إجراء آخر مساعد.
في حال فشل كل المحاولات وإذا كان من الضروري التخلي عن بعض الموظفين، يجب تعويضهم بمكافآت نهاية الخدمة بقدر الإمكان وتقديم الدعم المعنوي واللوجستي لهم في فترة ما بعد ترك العمل. وربما أمكن أيضًا امدادهم بخدمات توظيف استشارية يمكن أن تعينهم على ايجاد عمل بديل في القطاعات والشركات التي مازلت تعمل لتقديمها خدمات أساسية. ويمكن الاستعاضة عن إنهاء الخدمة بإجازات مدفوعة بشكل جزئي.
في كل الأحوال ينبغي أن تتعامل الشركات بمنتهى الشفافية مع تلك الإجراءت وتوفر قنوات تواصل مع الموظفين وتقديم معلومات كافية لهم وتقوم بإستطلاعات مجسية وتقبل الاقتراحات وسماع وجهات النظر ونقد الإجراءات وأخذ كل ذلك في الاعتبار.
فيما يلي رسمٌ يوضّح بعض الإجراءات التي اتخذتها الشركات العالمية الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية، كردّة فعلٍ تجاه أزمة كورونا. وفي هذا الرابط في نهاية المحتوى، تجدون روابط لأكبر الشركات الأمريكية وروابط لنصوص سياساتها لإدارة الموارد البشرية والإجراءات المُتخذة أثناء أزمة كورونا. أنصح المجيدين للغة الإنجليزية بالاطلاع عليها.
التواصل الداخلي والخارجي
في خضم الأحداث الجسام وعدم وضوح الرؤية في حياة الفرد، والشركة، والدولة، من الهام جدًا ألا تترك الشركة أي مجال للشك في عقول وقلوب الموظفين. ينبغي أن تستمر الشركة في سياستها للتواصل الفعال مع الموظفين بخصوص كل ما يهمهم من إجراءات داخلية في الشركة، وأية تغيرات في بيئة العمل، وتفنيد الشائعات والتعامل معها فورًا. من الهام أثناء الأزمات أن تكون هناك نشرة يومية أو اجتماع افتراضي دوري لاطلاع الموظفين على آخر المُستجدات وعلى نتائج تأثر الشركة بالأزمة العالمية الحاصلة. كما ينبغي أن يكون التواصل متبادل، ويقدم آليات للموظف للتعبير عن مخاوفه، والتحديات التي يواجهها، والمقترحات التي يود تقديمها.
كما ينبغي أن تهتم الشركة بالتواصل الخارجي مع العملاء والمهتمين من السوق ويكون ذلك بنشر تحديثات على الموقع الالكتروني للشركة واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي والقوائم البريدية للعملاء لتوضيح التزام الشركة بوعودها والإجراءات التي تتخذها لحماية المستهلك وخدمته وغير ذلك من الأدوار المجتمعية التي تود الشركة أن تقوم بها. في هذا الرابط، مثال لتواصل أحد الشركات مع جمهورها.
متابعة الروح السائدة
فريق الموارد البشرية هو الفريق الذي يعتني بقياس درجة الحرارة الوجدانية للموظفين. ينبغي أن يهتم فريق الموارد البشرية بكل تخصصاته بالتعاون مع الفريق الإداري باستشعار الروح السائدة في الشركة ومخاطبتها بالرسائل المناسبة وتقديم معطيات واقعية ولكن لا تخلو من روح الإرادة، والتفاؤل المدعوم بعرض الإجراءات المُتخذة والنتائج المتوقعة، والوعود الصادقة بتعويض الموظفين عند انجلاء الأزمة بإذن الله. من الهام أن تصل للموظف بطرق شفوية وكتابية وعملية، رسالةَ تقدير الموظف وتثمين أهميته ورغبة الشركة في الاحتفاظ به واكتساب ولائه. ووقت الأزمات، هو وقت بناء ولاء الموظف بحق.
تحديث إجراءات الوقاية والسلامة
في ظل أزمة كورونا، تنشأ احتياجات طارئة وحتمية ينبغي على كل الشركات مراعاتها. فالأشغال الأساسية التي لم تُغلق أو التي ستفتح مجددًا عندما ينحسر الحظر جزئيًا بدون انحسار الوباء نفسه، على الشركات أن تضمن أن تكون بيئة العمل لا تساعد على انتشار الوباء مجددًا. من هذه الاحتياطات:
- إعادة تعيين المساحات داخل المكاتب لجعل المسافات متباعدة بين كل موظف وآخر.
- زيادة إجراءات النظافة وإتاحة المعقمات في الردهات والمداخل ودورات المياه.
- إعادة توزيع جدول العمل بحيث لا يعمل عدد كبير من الموظفين في نفس المساحة الضيقة في نفس الوقت.
- تقليل احتكاك الموظفين ببعض والموظفين بالعملاء. مثلاً يمكن اتاحة وسائل دفع الكترونية لتجنب تداول العملات بين الأيدي. أو اتاحة الدفع أونلاين والاستمرار في السماح للموظفين بالعمل من المنزل إن أمكن.
- عزل الموظف عن العميل بزجاجٍ واقٍ إن أمكن.
- تقليل أو إلغاء السفريات والرحلات المتعلقة بالعمل للحد من فرص نقل العدوى محليًا وعالميًا.
- عقد الاجتماعات داخليًا بإستخدام التكنولوجيا وتجنب اللقاءات وجهًا لوجه قدر الإمكان.
توفير وسائل الدعم الممكنة
الدعم المالي ليس هو الدعم الوحيد الذي تقدمه الشركات بتنسيق من قسم إدارة الموارد البشرية. فالموظف كإنسان يمر بأزمة يحتاج الكثير من الخدمات التي لا يكلف بعضها أي شيئ بينما يكون بعضها الآخر له تكلفة معقولة أو تكلفة ضمن خدمات دفعت الشركة ثمنها بالفعل في الماضي حسب عقود سنوية مع مختصين. من هذه الخدمات:
- توفير معلومات الدعم النفسي والوجداني من مختصين عن طريق النشرات والمحاضرات عن بُعد.
- توفير بعض الاستشارات مع مختصين في المجال الصحي أو مجال الصحة النفسية.
- تقديم خدمات تعريفية ببرامج الدولة التي يمكن للموظف أن يستفيد منها ومساعدة الموظفين على فهمها وفهم سبل التقديم للحصول عليها.
- تقديم خدمات التأمين الصحي التي تعاقدت الشركة عليها سابقًا بشكل سنوي مع شركات التأمين والتي تغطي نفقات العناية الصحية للموظف وأسرته.
- تقديم دعم لخدمات رعاية أطفال العاملين في فترة توقف المدارس ورياض الأطفال back-up dependent care ليستطيع العاملون القيام بوظائفهم قدر الإمكان.
- تعريف العاملين بكل البرامج والامتيازات المتاحة لهم داخل الشركة.
إدارة أداء الموظفين
بالطبع هذا دور مستمر لإدارة الموارد البشرية داخل الشركات. ولكنه له أهمية قصوى أثناء الأزمات. فمن ناحية، يحتاج قسم إدارة الموارد البشرية إلى رفع الروح المعنوية للعاملين أثناء هذه الأزمة وتفعيل طرق إبداعية لتحفيزهم والحفاظ على ولائهم والتعامل مع الاحباطات اليومية بما لا يؤثر بشكل عميق على الأداء والانتاجية.
أيضًا من جهة أخرى يجب اتخاذ إجراءات صارمة مع أي تصرف من أحد العاملين يعرّض الآخرين للخطر أو يؤذي الشركة أو العملاء. مثلاً قامت شركة "أمازون" بالولايات المتحدة الأمريكية بفصل موظف تسليم شحنات بعد أن تم التقاط صورته عن طريق كاميرات المراقبة وهو يبصق عن عمد على أحد الطرود قبل أن يتركه على باب العميل! بالطبع قام قسم الموارد البشرية بفصل الموظف فورًا كما قام قسم تسويق العلامة التجارية بإصدار بيان عن الحادثة وعن إجراءات تعامل الشركة معها بمنتهى الحزم.
تقديم الدعم والنصح لمجلس الإدارة
من المهام الهامة جدًا لقسم إدارة الموارد البشرية هي تقديم النصح لمجلس الإدارة فيما يتعلق بقرارات الشركة المتعلقة بالموظفين. لا يمكن أن يتخذ مجلس إدارة الشركة القرارات الخاصة بالموظفين بدون استشارة قسم الموارد البشرية وأخذ توصياتهم بعين الاعتبار. يلعب قسم إدارة الموارد البشرية هنا دور الوسيط بين الشركة والموظف بحيث يكون صوت الموظف لدى الشركة ويكون وسيط الشركة لدى الموظف.
المسؤولية المجتمعية
كلٌ منا لديه مسؤولية فردية ومجتمعية للفاعلية والإيجابية في مواجهة هذا الوباء. وكلٌ منا تتباين قدرته بتباين ظروفه ومدى تأثره بالأزمة. فيما يلي بعض الطرق التي تستطيع المؤسسات والشركات أن تساهم بها في تخفيف حدة الأزمة وفي مواجهتها:
يمكن للشركة أو المؤسسة أن تساعد مجتمعيًا بالتمويل المالي للمبادرات المجتمعية ولمساعدة المتضررين من الوباء وذلك من خلال التبرع المباشر لتمويل تلك الحملات.
يمكن للشركة أو المؤسسة أن تقدم خدمات مجتمعية مجانية في مجال تخصصها. مثلاً يمكنهم توفير خدمات التوعية، وتقديم المتطوعين لدور المسنين والمشافي والمصانع وفي كل مكان بحاجة لمتطوعين. يمكنهم أيضًا تقديم خدمات تقنية، أو فنية حسب التخصص تساعد المهنيين على استمرارية عملهم.
يمكن للشركة القيام بمبادرات جمع التبرعات لصالح المؤسسات غير الربحية كبنوك الطعام ومآوي المشردين وغيرها من المبادرات الهامة.
يمكن للشركات اعفاء عملائها من بعض تكلفة الخدمة أو المنتج. هناك شركات استثمار عقاري مثلاً قامت بتخفيض الإيجارات أو تأجيل تحصيلها لرفع بعض المعاناة عن المستأجرين في هذه الفترة الحرجة.
قائمة الشرف والقائمة السوداء
الأمم لديها ذاكرة قوية. أمام الشركات الآن فرصة صناعة ذكريات إيجابية في الذاكرة المستقبلية للأمم؛ الدول، والموظفين، والعملاء. ولكن ما الذي يبقى في ذاكرة الأمم؟ سيبقى في ذاكرة الأمم قائمة للشرف وقائمة سوداء سيذكرها الجميع جيدًا بعد انتهاء الأزمة.
ستكون هناك قائمة تحتوي الأفعال المشرّفة للأفراد والشركات. كشركة "ميدترونيك" التي ذكرناها سابقًا، والتي أتاحت تصاميم أجهزة التنفس لكل من يستطيع أن ينتجها. أو كأسماء الجامعات وشركات التدريب التي فتحت دوراتها بشكل مجاني. أو كشركات التقنية التي فتحت منتجاتها للتعليم عن بُعد والاجتماعات الافتراضية للاستخدام بشكل مجاني. سيكون في تلك القائمة بالطبع العاملون الأساسيون من أطباء، ورجال شرطة، وأسعاف، ونظافة، وعمال محلات الأغذية وغيرهم من الأبطال الحقيقيين. وسيكون إلى جانبهم، أسماء المختصين والمهنيين الذين أتاحوا خدماتهم واستشاراتهم بشكلٍ مجاني لمن يحتاجها. ستكون ضمن القائمة أسماء شركات تبرعت بملايين لجهود الدعم. وستكون هناك أيضًا أسماء الشركات التي خفضّت أسعارها واعتنت بموظفيها وقامت بتعيين المزيد ممن فقدوا وظائفهم. ستكرّم الدول هؤلاء وتحتفي بهم. وسيثق فيها العملاء والجماهير ويمتنون لهم ويقبلون على منتجاتهم. وسف يتنافس الباحثون عن العمل للحصول على وظائف لديهم.
وفي قائمة أخرى مظلمة، ستكون أسماء الشركات التي استغلت الأزمة لاحتكار السلع، ورفع الأسعار، وتسريح العاملين. سيكون على هذه القائمة أصحاب أملاك هددوا المستأجرين بالطرد إذا تأخروا في دفع الإيجار الشهري. سيكون على هذه القائمة، شركات إقراض استغلت حاجة الناس لفرض نسبة فوائد عالية على القروض ومطاعم تلاعبت بأرواح الناس بإتاحة المطعم مفتوحًا عبر باب خلفي أو سري أثناء أوقات الحظر! سيذكر العملاء، والدول، والباحثين عن العمل كل هؤلاء. وسيلاقون من المجتمع، المكانة الدنيا التي يستحقونها.
حتمية التفكير فيما بعد الأزمة
ووجود قائمة الشرف، والقائمة السوداء في وعي وأذهان الناس (عملاء وموظفين)، والدول، يحتّم على صاحب العمل التفكير فيما بعد الأزمة. فصاحب العمل يدرك أنه سيود حتمًا أن يعود لنشاطه بعد الأزمة بإذن الله. فإذا لم تدفعه أخلاقيات العمل للتعامل بمسؤولية واحترافية أثناء هذه الأزمة، يجب أن تدفعه المصلحة. فهو لا محالة سيسعى لمزاولة نشاطه مرة أخرى بعد مرور الأزمة بإذن الله. فعليه أن يرسم الآن، طريقة استقبال العملاء والموظفين والدولة لعودته بعد الأزمة. فلا ينبغي أن ينظر صاحب العمل تحت قدميه الآن فقط.
الثقة والأخلاق
في الأوقات العادية، نحتاج بالطبع للكثير من الثقة والالتزام بالأخلاق في تعاملاتنا اليومية. ولكن الثقة والأخلاق لهما مكانة خاصة في وقت الأزمات. وبالطبع الثقة والأخلاق لا يُولدا بين يومٍ وليلة. هما بالتأكيد نتاج عمل مستمر ومتواصل لاكتساب هذه الثقة ولاثبات الالتزام بهذه الأخلاقيات. وبالتالي، عندما تسود روح الثقة والأخلاق القويمة في بيئات العمل وفي المجتمع، يمكن اختصار الكثير من التفاصيل والوقت والجهد الذي يمكن أن يتسبب فيهم غياب الثقة والأخلاق. ونحتاج هذه الثقة على أصعدة ثلاثة.
بين المواطن والدولة
على مدار العقود، تبني الدول الناجحة الثقة بينها وبين المواطن وتتمتع بنتائج ذلك وقت الرخاء ووقت الأزمات. فعندما يثق المواطن في الدولة، يطمئن إلى المعلومات التي يتيحها الإعلام الرسمي ويأخذ الإرشادات المُقدّمة بجدية. ويطمئن المواطن إلى قدرات الدولة تجاه معالجة الأزمة وأمانتها في إدارة الموارد المالية والمساعدات الدولية. كما يسعى للتطوع، ولتخفيف العبء على المصالح والخدمات الأساسية.
وبالطبع تستطيع الحكومة أن تمد يد العون للمواطن ببرامج متنوعة تساعده أثناء الأزمة الاقتصادية، دون الحاجة لتشديد اجراءات المراقبة ومتابعة مدى استحقاق المواطن للمعونة المادية خوفًا من إمكانية تلاعبه واستغلاله لموارد الدولة بدون استحقاق حقيقي، فمثل هذه الإجراءات الناتجة عن عدم الثقة ستؤخر وصول الامدادات وأيضًا سترهق أنظمة الدولة التي ينبغي أن تكرّس كل مواردها البشرية والمالية للتعامل مع الأزمة.
بين الشركة والدولة
عندما تكون هناك ثقة بين الدولة وقطاع الأعمال والعكس، تؤمن الؤسسات ورجال الأعمال بأن الدولة لن تتخلى عنهم وسوف تقوم بتوفير منح مالية، وقروض، وإعفاءات ضريبية. وتثق الدولة في أن الشركات لن تقوم بالتلاعب بهذه الامدادات المالية وأنها ستقوم بالاستفادة منها على أكمل وجه وتضيف عليها ما تستطيع من أجل استمراية بعض الانتاجية والعمالة والاسهام في مواجهة الأزمة. وعندما تغيب الثقة، يحدث عكس كل ذلك حيث يواجه رجال الأعمال الأزمة بمفردهم أو تُستنزف موارد الدولة في محاولة التحقق من حسن استخدام الشركات للدعم الحكومي المُقدّم. كما قد تسعى بعض الأعمال إلى احتكار السلع ورفع الأسعار استغلالاً للأزمة ولاحتياج الناس.
بين الموظف والشركة
عندما يكون هناك ثقة متبادلة وتعامل أخلاقي بين الموظف والشركة، سيسعى الموظف للحفاظ على موارد الشركة ويتعاون معها بشأن الإجراءات التي يتحتم عليها اتخاذها وسوف يستمر في دعم فريقه ولو بمقابل مادي أقل بقدر الإمكان. سيثق الموظف أنه أيًا كانت الإجراءات التي تتخذها الشركة، فهي إجراءات مدروسة بعناية وتأخذ مصلحة الموظف بعين الاعتبار بقدر الإمكان. وفي المقابل، ستسعى الشركة لتوفير ما تستطيع توفيره لرعاية الموظف والحفاظ على استمرارية توظيفه. كما أنها ستثق في إمكانية عمل الموظف عن بعد بدون أن يستغل عدم وجود رقابة في الاستهانة والتقصير بالعمل.
وجديرٌ بالذكر أن دوائر الثقة هذه مزدوجة الاتجاه وتعمل بين كل الأطراف المعنية. وفي المجتمعات التي تسود فيها ثقافة القمع من الدولة من جهة، وثقافة "الفهلوة" من المواطن من جهة أخرى، يخسر الجميع وتكثر الحلقات الضعيفة في سلسلة الدعم اللازم في أثناء هذه الأزمة.
ضرورة الإبداع
هذا هو وقت قسم الموارد البشرية بالشركات ليشرق ويبدع بالتعاون مع إدارة الشركة في إدارة الأزمة بمهنية واحترافية وعقلية واعية. هناك الكثير من الفرص التي يمكن أن تبني ثقة الجماهير والدول في الشركات وتسمح للشركات بتبوّء مكانات عالية مجتمعيًا واقتصاديًا بعد انتهاء الأزمة بإذن الله. قدّمت هذه الورقة فقط لمحة عما يمكن للشركات المبادرة به. نسأل الله ﷻ أن يحمي العباد والبلاد وأن يقينا مصارع السوء وكافة الأسقام.