في ديوان الشرق ليوم الثلاثاء 31 آذار/مارس، كان عنوان الحوار: «أي مستقبل لمنطقة الشرق في خضم أزمة كورونا العالمية؟»، وقد أفاض أ. وضاح خنفر رئيس منتدى الشرق في الإجابة على الإشكالية من عدّة زوايا، ونسرد هنا نص المداخلة التي قدمها:
حين يُصبح الكامن في الظّل مركزيًا!
وفقا للمعادلات الجديدة التي سوف يفرضها واقع كورونا الجديد على العالم، ناقشنا في المرة الماضية كيف أن الأوبئة والحروب تفعل فعلها في الواقع من خلال عاملين:
1.العامل الأول: أنها تُسَرع حركة التاريخ بتسريع التوجهات والتيارات الاستراتيجية والاجتماعية الموجودة في الواقع أصلا، سواء على صعيد المجتمعات أو الدول أو التكتلات الإقليمية، حيث أن الوقت اللازم لإنضاج هذه التيارات يقل بفعل الأزمة، ويرجع ذلك إلى أنّ الناس وقتها يبحثون عن حلول نابعة من الضرورة وليس من الاختيار.
فحالة الاختيار تقتضي حالة استرخاء يذهب فيها الناس إلى الجدل والحوار ليتوصلوا إلى القرارات، بينما حالة الضرورة تضطرهم إلى اللجوء إلى خيارات لم يكونوا يلجؤوا إليها لولا الأزمة، وهذا ما يجعل حركة التاريخ تتسرع.
2.أما العامل الثاني: فتأتي الأزمات بأنواعها عادة على الإنسان وهو أحوج ما يكون إلى الجديد، ذلك أنه عندما يتسلم القديم واقعا سياسيا أو استراتيجيا أو اجتماعيا ويطول به الأمد، يتكلَّس ويفقد القدرة على الإبداع، لأن السلطة والقوة والثروة والتقاليد تتمسك بموقعها في قمة هرم النفوذ، فإذا ظهرت أزمة غير متوقعة، فإن القديم سيفشل، وتكون هنالك فرصة لكي ينتهي القديم ويولد الجديد. فالجديد يكون احيانا كامنا في الهامش، ولا ُيسمح له بالظهور، وعند الأزمات يتاح له التحول من الهامش الى المركز.
لذلك بحلول الأزمة تجد ما كان كامنا في الظّل مركزيًا، لهذا دائما أقول أنّ الأزمة تسمح للقديم أن يموت وللجديد أن يولد، وهذا ما سنحاول أن نعكسه على منطقة الشرق في هذه المرحلة.
منطقة الشرق تتشكل بالنسبة لنا من أربع أمم تتقاسم هذه المنطقة من العالم، وهي الترك والإيرانيون والعرب بالاضافة إلى الكرد، أما استراتيجيا فإن دول الشرق هي تركيا وإيران والدول العربية بالإضافة للكيان الصهيوني.
صعودٌ استراتيجي..استغلال الشقوق الجديدة في الجدار الدولي!
لحظنا في الفترة الماضية تيارا استراتيجيا موجودا قبل كورونا، وهو صعود النفوذ التركي في منطقة شرق المتوسط، وصعودها عموما في جوارها، سواء على صعيد الشرق الأوسط نحو الجنوب أو جوارها الآسيوي باتجاه دول آسيا الوسطى، ونعزو ذلك إلى أن تركيا استطاعت في السنوات الماضية تطوير بنى عسكرية واقتصادية معقولة إلى حد ما، مما مكنها من استخدام هذه الإمكانات للحصول على مكاسب استراتيجية في الإقليم.
نذكِّر أيضا بما كنا نقوله دوما، وهو أن موقع تركيا هو الأفضل استراتيجيا في العالم، لأنها تأتي بين الشرق المتمثل في دول آسيا وروسيا، والغرب المتمثل في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. هذا الوجود الجغرافي الجيوسياسي في المنطقة يسمح لها بأن تسيطر على مضائق تتحكم استراتيجية بالغة الأهمية.
هذا مكنّها من الوقوف بشكل متوازن بين أكبر قطبين في العالم، كلاهما لا يريدان لتركيا أن تصبح قوة متغلّبة ولا أن تنهار في نفس الوقت.
مثلا، تعرف روسيا جيدا أن تركيا إن بقيت فاعلة في الإقليم فينبغي أن تكون فاعلة بقَدَر بحيث لا يتجاوز نفوذها مصالح روسيا، فهي بالتالي تريد تركيا مدجّنة ولا تريدها مندفعة منطلقة باحثة عن نفوذ استراتيجي خارج التفاهمات التي يمكن أن تعقدها مع روسيا.
روسيا حاربت تركيا 14 مرة عبر التاريخ، وانتصرت تركيا في 4 منها، معظمها كان بمساعدة أوروبا، نذكر منها حرب القرم التي شاركت فيها فرنسا وبريطانيا إلى جانب تركيا ضد روسيا.
جنود بريطانيون وفرنسيون أثناء دعمهم الجيش التركي في حرب القرم سنة 1855م.
وذلك لأن الغرب لا يريد لروسيا أن تصل إلى تركيا، فلو سيطرت روسيا على البحر الأسود ووصلت إلى الأراضي التركية فستصبح على مساس مع الاتحاد الأوروبي وستستأثر ساعتها بأفضلية استراتيجية، وهذا أمر لا تستطيع أوروبا ولا الولايات المتحدة الأمريكية القبول به!
لهذا لا يريد أي من الطرفين أن تسقط تركيا ولا أن تصبح قطبا رئيسا فاعلا في حد ذاتها، لأنها إن خرجت عن إطار النفوذ الأوروبي سيشكل ذلك تهديدا غير مقبول، فقد تتعارض مع المصالح الاستراتيجية الغربية. وفي المقابل إذا انهارت تركيا فهذا يعني أن تأثير روسيا في المنطقة قد يزداد.
لذلك فإن استراتيجية كلا القطبين متقاربة فيما يخص الملف التركي، وكما نعلم فإن تركيا كانت بمثابة منطقة عازلة Buffer Zone أثناء الحرب الباردة، فقد كانت المنطقة التي تحمي أوروبا من النفوذ السوفياتي وكانت القاعدة المتقدمة للوجود العسكري والاستخباراتي الغربي الناتو. وقد كان تماسك تركيا مهما بالنسبة لروسيا كذلك إذ أنه لو أصبحت تركيا جزءًا من منظومة أوروبية لما كان ذلك مفيدا لروسيا.
وقد استطاعت تركيا إلى الآن أن توازن بين استقلالية قرارها وعلاقاتها مع الطرفين. فقد استفادت من هذه الثغرة في النظام الدولي المتمثلة في تصارع القطبين الشرقي والغربي على النفوذ، بتطوير علاقات مقبولة إلى حد ما مع الجهتين، وحافظت على استقلالها باتخاذ مبادرات مكنتها من تنصيب نفسها كقطب فاعل في المنطقة، ونذكر على سبيل المثال تحركاتها في الملف السوري في الآونة الأخيرة وكذلك سياستها تجاه ليبيا أيضا حيث اتفقت معها لبناء شريط بحري في البحر الأبيض المتوسط، الشيء الذي أزعج الكثير من الدول الغربية، لا سيما اليونان، لأهميته الاستراتيجية.
معنى ما سبق أن تركيا محظوظة بوجودها ضمن منظومة جيوسياسية تسمح لها بسقف معقول -ولكن ليس مبالغًا فيه- من الاستقلالية، ولكنها لا تستطيع أن تصادم عسكريا أيا من القطبين، وفي ذلك خير، كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية يعبران حالة انتقال، والمنظومة الدولية نفسها تعبر حالة انتقال وتفكك وانشغالات داخلية، مما يخلق شروخًا وشقوقًا تتيح للاعبين الأصغر حجما -من قبيل تركيا- لعب أدوار مبادرة.
انكفاء الكبار نعمة للصغار
ستعزز أزمة كورونا نمطًا عالميًّا كنا تحدثنا عنه سابقا، وهو أن معظم دول العالم ستبدأ حالة انكفاء وتقدم مصالحها الذاتية، ولكن الأخطر من ذلك كله هو أن الركود الاقتصادي الذي سيدخله العالم في الفترة القادمة سيؤثر تأثيرا عميقا على مناحي الحياة كافة وليس فقط على الاقتصاد العالمي، سيؤثر على نسب البطالة وعلى أسواق البورصة وعلى العلاقات البينية بين الدول بسبب تراجع العولمة التي ستتأثر بتقييد حرية التنقل بين الدول، ستستأثر الدول بمواردها لنفسها، بما فيها الموارد الغذائية، وقد رأينا أن بعض الدول بدأت تضع تدابير تُضيّق على تصدير الموارد الغذائية تحسبا لما هو قادم.
سيرافق ذلك كله انشغالات لترميم الإشكالات الاقتصادية الداخلية وترميم الأنظمة الصحية ومحاولات احتواء الآثار السلبية لانتشار الفيروس وتداعياته.
هذه الظرفية ستفتح للدول الأقل نفوذا مساحةً للتحرك لم تكن متوفرة لهم في أوقات الرخاء وتماسك المنظومة الدولية، فاختلال هذه التوازنات مفيدٌ للأصغر حجمًا، وفي تقديري أنّ تركيا ستستفيد من ذلك، إذا استمر الوضع الاقتصادي التركي مُتماسكًا.
أنا لا أقول أن الاقتصاد التركي بإمكانه أن يستمر كما هو لفترة طويلة، فالعالم كله سيشهد حالةً من الكساد، فإذا كان طويل الأمد، فسيطال تأثره الجميع: مصانع لا تعمل، وعمال لا يجدون عملا، وشركات تبدأ بالانهيار لأنها لا تستطيع أن تقدم الخدمات، ويقل الطلب على النفط، وتزداد نسبة الفقراء...هذه الحالة لن تكون حالة يسيرة على أحد، بما في ذلك على تركيا طبعًا لأنّ لديها حجم مديونية مرتفع على القطاع الخاص، ولكن كل دول العالم خاصة الدول النامية سوف تعاني معاناة حقيقية وكبيرة، بينما الميزة التركية تتمثل في مجتمع عالي الإنتاج وبنية تحتية جيدة وموارد زراعية ممتازة، وموقعها الاستراتيجي يُمكنها من القيام بدور توريد المواد الخام والمواد المطلوبة للمصانع في المنطقة وفي العالم خصوصًا إذا ما استمرت حالة الانغلاق والانسداد أو على الأقل الإنسداد الجزئي لخطوط توريد البضائع من آسيا وأقصد هنا الصين وكوريا الجنوبية وبعض الدول الآسيوية الأخرى.
من الموانئ البحرية التركية
تركيا لها أفضلية إن استطاعت أن تستغل ذلك فتعمل مصانعها على تزويد العالم باحتياجاته لسد العجز في الأسواق العالمية.
الفراغ الاستراتيجي
تعبر منطقتنا هذه التي نسميها "الشرق" فراغا استراتيجيا منذ فترة طويلة من الزمن - ونفضل مصطلح الشرق بدلا عن الشرق بدل الشرق الأوسط لأنه المصطلح الأكثر قربا إلى نفوسنا وتراثنا.
نحن، في العالم العربي تحديدا، ومنذ حوالي عشر سنوات على الأقل نعبر حالة فراغٍ استراتيجي حقيقي، والسبب في ذلك أن اللاعبين لا يملكون استراتيجيات عقلانية ذات أهداف مبنية على مصالح أممهم وشعوبهم.
تعلمنا في العلاقات الدولية بأنّ الدولة هي اللاعب الأهم في المنظومة الدولية، فهي تحدد مصالحها بعقلانية، إلا ما يخص منطقتنا! نجد أنّ الدول هي اللاعب الأساسي قطعًا في الأقليمية لكنها لا تتبع عقلانيةً واضحة فيما يتعلق بعلاقاتها الاستراتيجية سواء مع بعضها البعض أو مع دول العالم.
هذا الفراغ الاستراتيجي سوف يُمَكِّن اللاعب الذي يتمتع برؤية إستراتيجية ثاقبة من أن يلعب دورًا أكبرًا، وسوف يدفع باللاعب الفاشل الذي ليس لديه إستراتيجية واضحة لكي يتراجع بشكل أكبر، فتُتسارع حركة التاريخ من هذه الناحية.
اللاعبون الأقوياء الفاعلون هم ذوي الاستراتيجية المبنية على المصلحة الوطنية أو مصلحة الأمة National Interest، لكن الذي ليس لديه توصيف لإستراتيجيته سوف يتخبط وسوف يخسر خسائر كثيرة ولا يعرف بالضبط ما الذي يريده سوى بعض الأوهام الفردية أو بعض الطموحات اللاعقلانية، وربما بعض الأهواء التي تتحكم بقادة دولنا فيتصرفون تصرفات غير عقلانية في كثير من الأحوال.
تمتلك الدولة التركية عقلًا استراتيجيًا، بغض النظر عن من يحكم تركيا، منذ أن تأسست تفهم تركيا أنها دولة أمة، وهذه الدولة ، مهما تغيرت حكوماتها، لديها مصالح إستراتيجية وجيوسياسية واضحة، وهذا العقل الجيوسياسي التركي موجود في جميع مؤسسات الدولة التركية، موجود في الجيش، الإستخبارات، الحكومة، الشارع، وعند الناس، أي اننا نجد وعيا كاملا لماذا ينبغي على تركيا أن تفعل ما تفعله؟ وهذا الوعي مفتوح للناس ليعتنقوه، لأنه يتسق مع مصالحهم، لذلك نجد الرؤية واضحة.
إيران دولة أمة كذلك، شعب واحد تمثله دولة، وعلى مرّ الزمن لديها مصالح سواء كانت هذه المصالح في علاقاتها مع دول الجوار أو مع دول العالم، تغيرت بسبب الثورة الإسلامية وطموحاتها الأيدلوجية، ولكن على وجه العموم نستطيع أن نقول أنها دولة واحدة تمثل أمة وتتفاعل بإسم الأمة ولديها مصالحها التي تحاول أن تبنيها وتتآلف معها وتنبينها للناس، هي دولة أمة.
توقيع اتفاقية سايس بيكو - سنة 1916م
بالحديث عن عالمنا العربي، نحن لسنا دولة أمة، لأننا مجموعة كبيرة من الدول التي تمثل أقطارًا، لم يكن لدينا خيارٌ في تحديد حدودها ولا سكانها ولا أشياءً كثيرة متعلقة بها، بل كانت نتيجةً لحقبةٍ سابقة.
تشكلت معظم دولنا بعد سايكس بيكو، أي بعد الحرب العالمية الأولى، ثم تشكلت المنظومة الحالية بعد استقلال كثير من الدول العربية.
لم نستطع أن نصنع دولة أمة، ثم إننا لم نستطع أن نحدد مصالحا استراتيجية لا للدول القطرية ولا للمجموعة الإقليمية أو القومية، لماذا؟
أزمة قلق.. 3 عُقَد سببها غياب العَقْد السياسيّ
هناك إشكالية شرعية موجودة في عمق الدولة القُطرية العربية، إلى الآن هي ليست مطمئنة الى أنها تتمتع بشرعية كاملة مستقرة، وأنّ العقد السياسي الذي يربطها بمواطنيها كفيل بأن يمنحها الاستقرار، لذلك تجدها في كثير من الأحيان قلقة، غير هادئة، غير مطمئنة، غير قادرة على العطاء لشعبها، لأنّها تفترض أن هناك مؤامرات ضدها، غير قادرة على إحتواء معارضتها لأنها تفترض أن المعارضة خونة، غير قادرة على التعاطي مع التناقضات الإجتماعية إلا من خلال الأمن أو الجيش.
حقيقةً، إنّ الصحة النفسية للدولة العربية متدهورة، هي مريضة في أساسها، لأنك عندما لا تعرف من أنت، وتفتقر الى هويتك الذاتية، شرعيتك وعقلك الإجتماعي، طريقة تعاملك مع مواطنيك، وشعورك أن الناس يعرفون أنك تعيش هذه الأزمة، يضعك هذا دائمًا في حالة قلق ونزق وفوضى.
من حيث أنك تريد أن تؤسس لنفسك شرعية كاملة بالقوة وليس بالإقناع، شرعية بالغصب والإكراه لا بالإختيار والحرية، وهذه مشكلة كبيرة لأي دولة في العالم، هي مشكلة دولة ومشكلة نظام سياسي غير قادر على أن يكتسب شرعيةً في التعامل مع الناس.
أدت هذه الحالة إلى عُقَد كثيرة، أولًا إلى مجتمعٍ لا يثق بدولته، ثانيًا أدت إلى مجتمع لا يرى أن الدولة عادلة لأن الشفافية منعدمة ولأن الفساد الإداري والمالي منتشر، ولأن النخبة المهيمنة والحاكمة متعالية على القانون، ولأن تساوي الفرص غير قائم، وأشياء أخرى كثيرة. ثالثًا، الدولة العربية لا تبين لمواطنيها ماهية مصالحها الإستراتيجية التي تناضل من أجلها، ولا تستطيع إقناع مواطنيها بها، ولا بمشروعيتها، ولذلك نحن في حالة ليست جيدة ولا صحية، لا لدينا دولة أمة ولا لدينا دول قُطرية ناجحة لا من حيث الشرعية ولا من حيث الأداء.
توجد ركيزة أساسية لأي دولة حتى تستمر إضافةً إلى شرعيتها وهي الكفاءة، الإنجاز، العطاء، القيام بمصالح الناس وقضاء حوائجهم وتحقيق الرخاء الإقتصادي والصحي والأمن الاجتماعي، وقد فشلت الدول العربية إلى حد كبير في توفيرها لهذه الخدمات.
بداية نهضّة سنغافورة بعد سنة 1960م
لم تستطع الدولة العربية أن تبني بنى إنسانية تعليمية قادرة على أن تقوم بأدوار حقيقية في الاقتصاديات الحديثة كما فعلت دول لا تملك أية إمكانيات، سنغافورة وكوريا الجنوبية ودول كثيرة جدًا، كُنَا أكثر منها تطورًا وتقدمًا ودخلًا، والآن أصبحت متفوقة علينا بكثير لأنها استثمرت في البشر، بينما نحن انشغلنا بالمناكفات السياسية، مطاردة أصحاب الرأي والكفاءة وتكريس هجرة العقول إلى الخارج وتنصيب عديمي الكفاءة في المرافق العامة، لأن دولنا تقدم الولاء على الكفاءة.
تسرب الخارج من شقوقٍ نحن أحدثناها!
تتسرب تدخلات دول الخارج إلى الداخل عبر الشقوق، لأنك إن لم تحصن مجتمعاتك بشرعية سياسية وعقد سياسي بين الدولة والناس، يستفيد الخارج من الخلافات ويتسرب عبر الشقوق ويُسَخر دولتك ونظامك وأجهزة أمنك لمصالحه.
لذا لا يجب أن نلوم الخارج، إنما نلوم أنفسنا لأننا أتحنا الفرصة لمثل هذه الشقوق أن تحدث وللتصرفات الخارجية أن تتسرب إلينا!
المشكلة الكبرى في الدولة العربية أيضًا أنها لكي تُثَبَّت شرعيتها في الداخل تلتجئ إلى علاقات غير متوازنة مع الخارج، لذلك تجد أننا نرتمي أحيانًا في أحضان أمريكا أو الكيان الصهيوني، ليس لسببٍ استراتيجي مقنع إنما لأننا نريد أن نكتسب شرعية سواءً عالمية أو في الإقليم لحماية النظام نفسه وليس لحماية الدولة أو مصالحها الممتدة، وهذا خلل كبير في التفكير الاستراتيجي.
نحن تعلمنا أن الدولة هي كيانٌ عقلاني، أما في عالمنا العربي فالدولة تُختصَرُ في شخص الحاكم أو زمرته أو الفئة التي تحكم أو الناس الذين يعملون معه، ولا تعنيها مصالح الأمة ولا تدخل في مدار تصرفات الدولة، إنّ القول بأن دولة ما عقلانية يعني إمكانية أن تتنبأ بتصرفاتها لأنك تعرف مصالحها السياسية والاستراتيجية بشكل واضح، وبالتالي أنت تعرف ما هي الحدود التي تتصرف وفقها هذه الدولة والمعادلات.
لكن في حال غياب مثل ذلك تصبح الأهواء بدل الإستراتيجيات هي الحَكَم وتصبح التصرفات الفردية أهم بكثير من عقلية الدولة أو الروح الجماعية للدولة التي تتسم بعقلانيةٍ واضحة.
يلجؤون إلى الخارج كسبًا لشرعية الداخل، هذا التيار موجود في عالمنا العربي منذ فترة طويلة وتعزز منذ عام 2013م بسبب الثورات المضادة ومحاولة إخماد الربيع العربي.
وأنا أتنبأ بأن الثورات المضادة في العالم العربي ستخبو في المرحلة القادمة، لن تنتهي، ستبقى محاولات إخماد روح الديمقراطية في العالم العربي مستمرة، لأنها للأسف الشديد متعلقة بطبيعة الأنظمة التي تسعى للدفاع عن نفسها وشرعيتها في وجه أي رؤى ديمقراطية.
عبثُ التبذير.. شرٌ على الدَاعمِ والمَدعُوم!
عندما أشاهد إنهيار أسعار النفط وأشاهد حالة الأزمات التي تعبرها منطقتنا وفشل كثير من الدول حتى الدول الغنية في المنطقة على القيام بواجباتها تجاه مواطنيها، هذا يُشير بأنها ستنكفء هي أيضًا على ذاتها وستعاني من الإشكالات البنيوية ما يعصم الناس منها.
انهيار أسعار النفط إلى أدنى مستوى مُنذ 18 عامًا.
لذلك في رأيي سيكون هناك تراجع لنفوذ وقوة الدول التي دعمت الثورات المضادة بسبب الحالة الإقتصادية القادمة، خاصةً تراجع أسعار النفط، وكذلك بسبب الإشكالات الاقتصادية وتداعياتها الصحية وتداعياتها في الداخل، فهذا قد يكون فيه فأل خيرٍ للعقلاء من أهل الدول العربية.
قد عشنا الفترة الماضية حالةً من الصراع الداخليّ العبثي، حالة من تدمير الذات، دمرنا ذواتنا بأموالنا للأسف.
يبني المال عادةً بنية تنموية مستدامة، كفاءات بشرية، يبني مستقبلا متفائلا للأمم، بينما نحن انشغلنا بتبذير أموالنا في صراعاتٍ وحروبٍ أهليةٍ عبثية لم تعد لا على الداعم بالخير ولم تعد على المدعوم بالخير، بل بالدماء والعنف والشقاء والتفكك.
الفرصة متاحةٌ في الفترة القادمة، بأن يصحو النّاس للحقيقة التالية: لا يوجد منتصر في صراعٍ داخليّ، الذين يذبحون بعضهم بعضا ويقاتلون بعضهم بعضا ينبغي عليهم أن يتفكروا لوهلة واحدةٍ أنهم قادرون على تحقيق مصالحهم جميعا لو تمكنوا من الجلوس على طاولة واحدة، وأجروا حوارا حقيقيا حول مصلحة بلدانهم وليس مصالحهم الذاتية.
لو عرفنا مصلحة البلد واتفقنا عليها سيستفيد الجميع والكل سيكسَب الأرباح التي يريدها، ولكن إذا استمر حال التكسب من الحرب الأهلية والعمالة لهذه الدولة أو تلك، فنحن للأسف الشديد سنعاني من مشاكل كبيرة، أتمنى أن هذا التيار الجديد سيكون إيجابيا.
مَددٌ للحياة.. إذا وجدت نفسك على حافةِ الوقوع!
بالنسبة لإيران، في المرحلة الماضية عانت من حصار اقتصادي لكنه لم يطح بالنظام، كما عانت من احتجاجات ومظاهرات، قتل قاسم سليماني في مطلع هذا العام، سقوط طائرة أوكرانية، وتلى ذلك احتجاجات ورغم كل هذا لم يسقط النظام، لأنّ لديه قوة من حيث تنوع مراكز الضغط داخل إيران. فهي ليست مركزا واحدا، صحيح أن هناك المرشد وهو أعلى سلطة بين الكل، ولكن تحته هناك جماعات مختلفة، وهذا التنوع في حد ذاته سمح بتبادل الأدوار واستكمال الأفكار وبناء منظومة أكثر عقلانية من إدارة الشخص المتفرد الذي لا يسمح لمن حوله بإبداء الرأي.
تحطم الطائرة الأوكرانية في الأراضي الإيرانية سنة 2020م.
لكنّي أرى أنّ الأزمة الأخيرة التي حدثت بسبب كورونا سببت إشكالية كبيرا للنظام الإيراني، والسبب أن إيران لفترة من الزمن لم تتفاعل مع الأزمة، لم تحاول أن ترد بشكل سريع، ويبدو أنها أخفت المعلومات الأساسية والضرورية من أجل أن تستمر في حالة الإنتاج الاقتصادي وفق معادلة: إذا أردت أن تخفض معدلات الإصابة بكورونا عليك أن تضع الناس في بيوتهم باختصار، وهذا يعني تعطيل جزء من الاقتصاد وبالتالي وقوع خسائر اقتصادية حقيقية.
وهذا مما لا تتحمله جميع الدول التي لا تستطيع أن تقدم شيئا ما لشعبها لكي تعوض هذه الخسائر كما فعلت الولايات المتحدة عبر دعم الاقتصاد بحزمة التحفيز الاقتصادي إلى جانب ألمانيا وبريطانيا ومعظم الدول الأوروبية، ومنطقتنا العربية لا تملك هذه الإمكانية للأسف، وبالتالي الأعباء ستتراكم على الاقتصاد وسيعاني منها الناس معاناة مباشرة.
برأيي سيكون أثرها الاقتصادي أكثر ديمومة من الآثار الصحية لفيروس كورونا: في كثير من الأحيان، عند الأزمات الإنسانية، الناس تتفاعل مع الحكومات وتلتف حول القادة حتى لو كانوا غير مقنعين.
الناس يشعرون بضرورة وضع الوحدة الوطنية فوق الخلافات الحزبية والنظام الحاكم، ولكن بعد أن تخبو ويتحرك الناس إلى المرحلة الثانية ما بعد كورونا ويجدوا الإشكاليات الاقتصادية ويبدأ حساب الربح والخسارة والمعاتبات والتقييم، هنا تبدأ الشعوب بالتحرك.
في إيران سوف تتلو حالة كورونا احتجاجات لا أعرف مدى قدرة النظام على احتوائها كما احتوى الاحتجاجات السابقة، أظن أنه سيقدر بسبب تنوع إمكاناته ومصادر قوته الأمنية وأيضا لوجود دعم شعبي من قطاعات مؤيدة للنظام من المحافظين ستنزل إلى الشوارع لموازنة الذين ينزلون في الشوارع ضد النظام، لذلك لا أتنبأ من أن إيران على وشك أن تنهار، لكن ستعاني من إشكالات ستزيد من التعقيدات الاقتصادية والسياسية الموجودة داخلها في هذه المرحلة، لكن ربما تلجأ إلى تصدير هذه المشكلة.
عندما ترى نفسك على حافة الوقوع في مطبات استراتيجية كبيرة من المفيد لك أن تصدر الأزمات إلى الخارج، يمكن أن يعود عليك ببعض النفع والفائدة.
الدول في اللحظات الأخيرة من الممكن أن تستخدم كل ما لديها من أوراق من أجل أن تحصل على مددٍ لحياتها وقد يعني ذلك تدخلات عسكرية، محاولات استفزاز لقوى معينة حتى كالولايات المتحدة، لأنّ إيران لا تريد أن تستمر حالة الحصار إلى الأبد، وتعرف أنها لن تنتهي بالتفاوض على ما يبدو على الأقل في هذه المرحلة.
ولو أني لا أستغرب أبدا في لحظة ما، أن يعود النظام الإيراني مرة أخرى إلى طاولة مفاوضات، لأنّ فيها قدر من البراجماتية عالية جدا، ولكن من الممكن أيضًا أن تحاول بأساليب أخرى استفزازية رفع وتيرة التوتر من أجل أن تجبر المجتمع الدولي على حل الإشكالية.
تزيينُ الأفكار الخاطئة يُفوِّت إحسانَ المُعالجة!
في منطقتنا لدينا نماذج إيجابية، تونس على سبيل المثال عبرت إلى الديمقراطية، لكنها ستعاني من الأزمة الاقتصادية بسبب اعتماد اقتصادها على الدول الأوروبية التي ستعاني من مشاكل كبيرة أي أنّ قدرتها الشرائية ستتراجع، احتياجاتها الصناعية ستتراجع والاقتصادات التي تصدر إلى أوروبا سوف تعاني معاناة شديدة.
الدول العربية في شمال إفريقيا جميعها سوف تعاني من ذلك أكثر من غيرها، لارتباط اقتصادها بالاتحاد الأوروبي الذي دخل الآن في أزمة عميقة بعد أن كان يعاني من أزمة سابقة، خصوصا دول جنوب أوروبا المحاذية للبحر الأبيض المتوسط والتي معظمها مرتبطة بدولنا العربية في شمال إفريقيا.
الواقع يقول أن القراءات الاقتصادية لدولنا ليست حكيمة ولا تتعامل مع الواقع بشكل يمنع انهيارات كبيرة، بل نحن نؤجلها عبر مناكفات سياسية أو من أجل حسابات قد نظنها في لحظة ما صحيحة وهي في كثير من الأحيان تكون خاطئة، لأنها تعتمد على نخبة حاكمة مع مجموعة صغيرة معها دون أن توسع الآفاق.
وغالبا النخب الحاكمة المتسلطة، الناس من حولهم يزينون لهم الأفكار بمعنى لا يحسنون معالجة القضايا هذه بحرية واستقلالية، حتى وإن أخطأ الحاكم فهم قادرون على تبرير الخطأ وإلقاء اللوم على الآخرين وهذه مشكلة كبيرة تعاني منها كل النظم الديكتاتورية.
لكن المشكلة في دول النفط، خاصة المملكة العربية السعودية، لأنها تعتمد كثيرا على النفط عكس الدول الخليجية الأخرى التي لديها صناديق سيادية يمكن لفترة من الزمن، ليست طويلة، أن تضخ هذه الأموال لموازنة الخسائر التي يحدثها فارق سعر النفط، ولكن المملكة العربية السعودية دولة كبيرة التزاماتها أكبر، وموازناتها أضخم، عدد سكانها أكبر وستلجأ بالنهاية إلى تخفيض موازنتها كما حدث بالفعل.
الآن العالم يتجه إلى زيادة الإنفاق الحكومي، لأننا نعبر حالة من الركود، الدول تنفق مليارات من أجل أن تدعم الشركات، العاطلين عن العمل، المؤسسات، التي على وشك الإفلاس.
فلما نأتي إلى تقليل الإنفاق الحكومي على الأرجح هذا سيكون له ناتج سلبي وليس إيجابيا، هذا ربما يستدعي مستقبلا مزيدا من البطالة وإفلاس الشركات.
وأيضا مزيدا من عدم الثقة في الاقتصاديات الكبيرة (الشركات الكبيرة)، وهنا تبدأ دائرة من التراجع والانهيار الاقتصادي تنتهي بمشاكل إنسانية أمنية وربما حتى اجتماعية وقبلية وعصبية ودينية وما إلى ذلك.
الحقيقية أن الاستراتيجيات المتبعة حتى الآن في احتواء أسعار النفط ما زالت ناقصة، وأعتقد أنّ هناك إشكالية كبيرة في فهم الناس لخطورة الذي يحدث وفي استفرادهم بالقرار دون الآراء السديدة الرشيدة البعيدة عن تزيين القرار للحاكم أو للسلطان.
الشفافية تعلو .. والإفصاحُ ليس عيبًا!
هناك عدم شفافية في موضوع كورونا في عدد من الدول العربية مثل مصر وسوريا، وقناعة عند قطاعات واسعة من الناس أن الأعداد أكبر بكثير، ليس هناك عيب في الإفصاح، بل المفروض أن الشفافية تعلو في هذه المرحلة لإبلاغ الناس بخطورة الأمر لامتصاصه، لأنه إن لم يحدث ذلك، سيحدث سيناريو إيطاليا وأسوأ منه بكثير، وهذا لا نريده لأنه على المدى الاقتصادي القريب والبعيد والإنساني والصحي مدمر.
للأسف الشديد لا أعرف لماذا تلجأ بعض الدول إلى إخفاء المعلومات أو محاولة التقليل منها! فهناك دول متقدمة لم تخش من إعلان أرقامها رغم كونها من بين الأعلى في العالم مثل الولايات المتحدة مثلا لأنها تتعامل بشفافية والناس يُقدرون هذا ويلتفون حول الدولة.
لا تخف من إعلان هذه المعلومات، بل عليك أن تكون صادقا مع الناس، فهم ليسوا أغبياءً، بل يقدرون من يكون صادقًا معهم.
المشكلة في حكوماتنا أنها لا ترى فينا منذ زمن إلا سوقة ودهماء ورعاع ينبغي أن يُملى عليهم ما الذي يفكرون به، كيف يحلمون؟ كيف يتأملون في الواقع؟ كيف يتكلمون؟ كيف يتفاعلون؟
العقل العربي الشعبي هو العقل الأكثر تسيسا في العالم، العرب هم الملتهمون الأكثر والمتابعون الأكثر لوسائل التواصل الاجتماعي، والكل يقارن بين تصرفات دولته وبين تصرفات دول أخرى، ويرى الامتيازات التي يحصل عليها الآخرون وكيف تتعامل الدول، والمسؤولية التي تُلجئ الرؤساء ورؤساء الوزراء في مختلف أنحاء العالم للتصرف بشفافية مع شعوبهم.
لماذا ُيحرم شعبنا العربي من الشفافية، على الأقل في هذه الأزمة، التي هي أزمة موت أو حياة، ولا تفرق بين صغير أو كبير بين مشهور أو مغمور بين أمير أو فقير.
هذه الأزمة لم تؤهلنا نحن معشر الناس من أن نحصل على المعلومات الشفافة والكافية لكي نتفاعل مع حكوماتنا ودولنا ونحترم قراراتها.
طبعا، بعض الدول العربية قامت مشكورة بذلك، كما قلت هناك غياب ثقة بين الحكومة والشعب، وسببها أن شرعية هذه الحكومات حقيقة منتقصة وكفاءتها في الإدارة ليست عالية.
تسفيه الفكرة النيرة.. من النهم الفائض عن الحاجة!
بإختصار، منطقتنا مقبلة على تغيرات كبيرة أرجو أن تكون في بعضها خير كما قلت ولكن بعضها الآخر يحتاج إلى حيطةٍ كبيرة، الأزمة الإقتصادية لن تكون يسيرةً على الجميع. وفي ملمح بسيطٍ، الأزمة الإقتصادية التي وقعت سنة 2008م كانت من الأزمات التي أدت إلى سنوات من الإشكالات الإقتصادية لدرجة أنّ بعض الاقتصاديات لم تتعاف منها بعد!
حتى تنقص أمريكا من آثارها، أقرت حزمة تحفيزية من 700 مليار دولارـ واُعتبرَت في ذلك الوقت معجزة، اعتبرت رقمًا ضخمًا لا يتخيله أحد، الآن أمريكا أقرت حزمة ب2.2 تريليون وتقول أنها ربما مع الزمن ترفع هذه الحزمة حتى 6 ترليونات، وأنت لك أن تتخيل ما الذي لا نعرفه عن أزمة الإقتصاد الحالية!
نحن الآن نعرف الصورة الكاملة عن الأزمة الاقتصادية لسنة 2008، نشاهد أفلاما تشرح ما جرى، يوجد فيلم رائع إسمه Too big to Fail يشرح لك ما الذي حدث عام 2008م، وتوجد أفلام أخرى منها الوثائقية، كما تُوجد مقابلات رائعة جدًا قامت بها مؤسسات إعلامية مع كل الفاعلين في تلك الأزمة 2008 ووضحت بالضبط ما الذي حدث.
الآن عرفنا حجم ما كان سيحدث لو أنّ أمريكا لم تسن تلك الحزمة التحفيزية لاقتصادها عام 2008، أخفوا بعض المعلومات لاعتقادهم أن الصورة الكاملة تؤدي إلى إنهيار اقتصاد قائمٍ على على الانطباع، فإذا كان الإنطباع سلبيًا تجد الناس تُسارع إلى سحب أموالها وانهيار الشركات والبنوك.
في تقديري، الأزمة التي نعبرها اليوم أكبر بكثير من أزمة 2008 وأشك في أن العالم قادر قريبًا على تجاوزها بل ربما تقترب هذه الأزمة لا سمح الله من أزمة 1929 التي شهد العالم فيها الكساد العظيم، وكانت من الأسباب الرئيسية لصعود التيارات النازية والأفكار المتطرفة الأخرى في مختلف أنحاء أوروبا، مرورا إلى الحرب العالمية الثانية التي اندلعت أيضًا بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية الهائلة التي عصفت بالعالم عام 1929.
خروج الناس احتجاجًا على التداعيات الاجتماعية لانهيار سوق الأموال المالية سنة 1929
أتمنى أن لا ننغمس في اللحظة الراهنة من خلال تبادل الاشاعات والمعلومات فقط، إنّ الذين يتابعون الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي بنهمٍ فائضٍ عن الحاجة هم أقل معرفةً وخبرةً ودراية بشؤون العالم من غيرهم.
والسبب أن المعلومات المتناقضة عادةً تسفه كل فكرةٍ نيرة وتجعل من الأفكار العميقة أفكارا سخيفة وأحيانًا مشكوكا بها، وتنتشر وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة المؤامرة والاشاعة.
هذه اللحظة صعبةٌ جدًا وفارقة، المستقبل ليس واضحًا تمامًا، ليس فيه يقين ما الذي سيحدث، لكن نحتاج الآن أن نرتقي إلى مستوى المسؤولية، أن نحدد أجندات، أن نتعافى من الأزمات الداخلية والحروب الأهلية والصراعات العبثية التي قمنا بها.
نحتاج أن تنفتح الحكومات بشفافيةٍ على مواطنيها، لأنّهم لن يخذلوها إن اتحدت وصدقت معهم، وأن يكون هناك عقد سياسي واجتماعي جديد يتيح للناس الحرية، فلا تستطيع أن تجمع علينا الفقر والبطالة مع السجون والمعتقلات، نعتقد أن هذه مشكلة كبيرة يمكن أن يكون لها دمار على مستقبل العالم العربي نسأل الله العفو والعافية.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا ويحفظكم جميعًا وأن يمن علينا بالصحة والعافية وأن يديم علينا أيضًا العقل الذي نفكر من خلاله وأن نتصرف بروية وحكمة وحسن ورشاد.
للتعرف أكثر على منتدى الشرق الشبابي يُمكنكم زيارة الموقع الالكتروني هنا