(هل أنا أتوهم؟ أم أن الوضع يزداد جنونا في الخارج) هكذا تحدث الجوكر..في افتتاح ذا مغزى يبدأ الفيلم على صوت التلفاز وهو يناقش قضية تكدس القمامة والجرذان التي ملأت الشوارع، لتعكس إهمال الحكومة وعدم إكتراثها، والفيلم يعكس صراع الأثرياء والفقراء واستئثار الأغنياء بالسلطة والنفوذ.

إحدى مظاهر ذلك الصراع هو سلطة الحكم على الأمور والقضايا، ففي نقل فرانكلين لمقطع آرثر فيليك والسخرية منه ووصفه بأنه غير مضحك، تتجلى السلطة التي تحدد الخير وتميزه عن الشر، والنجاح من الفشل.. ما هو مضحك وما هو غير ذلك.. ما هو مسموح وما هو محرم.. ( النظام الذي يعرف الكثير، تقررون ما الخطأ وما الصواب، بالطريقة نفسها التي تقررون المضحك من عدمه).

وكذلك الثراء والحكم والسلطة يعطي للحكام القيمة لحياتهم من حيث هم أغنياء وحكام، يقول توماس توين وهو المحافظ المنتخب: ( فإننا نحن من جعلنا لحياتنا قيمة.. سننظر دائما لمن لا قيمة لحياتهم كمُهرجين) الكلمة أثارت الناس في مدينة غوثام ليهتفوا في مظاهرات حاشدة (كلنا مهرجين).

شخصية الجوكر عدمية، فقدت المعنى في مجتمع لا يكترث له (طول حياتي جهلت ما إن كنت موجودا أصلا) ليجسد الإنسان المسحوق بسلطة الرأسمال (حياتي ليست سوى كوميديا). 

وهنا أستحضر تعليق صديقي الباش مهندس محمد خلف الله معلقا على العدمية في فيلم الجوكر ما نصه: (هي حالة فقدان الحقيقة العظمى في الوجود! حالة فقدان (الله) في الحياة!صار الغرب ينتج الأفلام تلو الأفلام ليبرر للعبثية و للكآبة و للتشتت!

فيلم الـ(joker) فيلم وصل القمة في الأدب السينمائي وخلاصته النهائية هي اللاشيء!، التبرير للجريمة والقتل والتعذيب والاستمتاع بالفتك والضرر للناس بمناظر وحشية ودموية تصيب الإنسان بالذعر والهلع معبراً عن الكآبة والأذى الذي يلحقه من المجتمع)

لتشكل أحقاده ممارسة العنف عليه من السلطة فمن لحظة ضربه في أحد الأزقة وقبلها إيذاء أمه له وضربه في الشوارع والقانون لا يلتفت إلا لموت ذوي سلطة ليقيموا الدنيا ولا يقعدوها حينئذ، يقول الجوكر بكل أسى: ( لو أنا من مت على الرصيف، لمشيتم فوقي). بل السلطة تفترض أن الشعوب سعيدة بهذا العنف الواقع عليها.

ينتصر الفيلم للمهمشين والضعفاء بثورتهم على السلطة لكنهم من غير شعور يجعلون من الجوكر نفسه رمزا لسلطة جديدة، لتظل السلطة متلازمة للإنسان.

شأن الفن أن يرفع المهمشين من على أرصفة الحياة إلى متونها لتخلد ذكراهم وتعكس الإنسانية المفقودة في زمن حقوق الإنسان المتوهم. 

إذا كانت حياته لم تلفت أحدا؛ أراد أن يعطي المعنى المفقود لحياته بموت عظيم؛ كتب في مذكراته: (أتمنى أن يكون موتي أجزى من حياتي فحسب).

يذكرني الفيلم بأحداث قتل فلويد من غير رحمة تحت ركبة ذلك الشرطي (السلطة ) التواقة للعنف، لتثور ثائرة من تبقى لإِنسانيتهم معنى ولم تمسخها رؤوس الأموال. 

يميل الناس إلى صف الضعفاء لنصرتهم وهذا بالطبع سبب لتعاطف الناس مع الجوكر بالرغم من شناعة فعله؛ إذ هو قاتل ومختل عقليا، لكن يميل الناس لتبرير فعلته بمنطق أنه مسحوق من سلطة فرضت عليه لتفتح الأسئلة مدى شرعية السلطة وجدل الخطأ والصواب وهذا تماما ما حصل في مسلسل لاكاسا.

المفارقة المضحكة أن الفيلم بذل فيه قرابة الخمس والخمسين مليون دولار، وعاد بربح مليار دولار، ليظل الفقراء يحتفون بفنهم ويحصد الأغنياء الأموال والسلطة.