يعتبر أحمد بن بلة من أبرز الشخصيات الوطنية الفاعلة التي تولت قيادة النضال السياسي والكفاح التحرري في الجزائر من أجل تحقيق الاستقلال خلال القرن العشرين، وفي هذا المقال سنحاول أن نتعرف على شخص أحمد بن بلة ونتتبع مساره النضالي في الحركة الوطنية الجزائرية وفي الثورة التحريرية. 

التعريف بشخصية أحمد بن بلة

ولد أحمد بن بلة يوم 25 سبتمبر من عام 1916م، بمغنية جنوب مدينة وهران بالغرب الجزائري، والده هو أحمد بن مبارك بن محجوب، وأمه تدعى فاطمة بنت الحاج.

نشأ هذا الأخير في وسط ريفي من عائلة فلاحية بسيطة، بالإضافة إلى أنه تربى وترعرع في بيئة دينية، فوالده كان مقدم زاوية، ووالدته كانت من حفظة القرآن الكريم والمدائح النبوية، وبذلك يكون قد شب في وسط ديني منذ نعومة أظافره، الأمر الذي أثر في تكوين شخصيته وأكد على ذلك المؤرخ رابح لونيسي في كتابه رؤساء الجزائر في ميزان التاريخ حيث ذكر

"بن بلة رجل مؤمن وذو أخلاق إسلامية فهو ملتزم بفروضه الدينية"، وما هذا إلا ثمرة للتربية الدينية التي حظي بها.

درس أحمد بن بلة في الكتاب وفي المدرسة الفرنسية بمغنية في آن واحد، تحصل على الشهادة الابتدائية وهو في سن الحادية عشر من العمر، غادر بعدها إلى مدينة تلمسان ليواصل تعليمه الثانوي، وفي هذه المرحلة نجده قد اطلع وقرأ عديدا من الكتب بغية تنمية معارفه الفكرية والأدبية وحتى السياسية مثل قراءته لكتاب عن مقاومة الأمير عبد القادر وكذا قراءته لبعض الروايات باللغة الفرنسية.

ومن أبرز الشخصيات والتوجهات التي كان معجبا بها نذكر: إعجابه بشخصية الرئيس المصري جمال عبد الناصر و بالفكر الاشتراكي اليساري.

أنهى بن بلة مسيرته الدراسية سنة 1934م، بعد رسوبه في امتحان الإعدادي (البروفي) عائدا بذلك إلى مسقط رأسه مغنية ليشتغل كمزارع، وما يمكن أن نقوله عن المسار الدراسي لهذا الرجل أنه كان جد قصير.

في سنة 1937م، اُستدعي أحمد بن بلة لأداء الخدمة العسكرية الإجبارية في صفوف الجيش الفرنسي حيث التحق بفيلق المشاة بمرسيليا بثكنة القديس شارل، أين تدرب بشكل جيد وتعلم كيفية استخدام السلاح.

شارك ما بين 1939-1940 في الحرب العالمية الثانية في صفوف الجيش الفرنسي ضمن وحدة المدفعية المضادة للطائرات، سرح من الجندية عام 1940م بعد أن تحصل على رتبة رقيب، اُستدعي للمرة الثانية سنة 1943م، للالتحاق بصفوف الجيش الفرنسي أثناء الحرب العالمية الثانية، وانضم إلى فرقة المشاة لشمال إفريقيا التي حاربت على الجبهة الإيطالية، وشارك في معركة "جبل كازينو" أين أظهر شجاعة كبيرة خلال هذه المعركة ما جعل الجنرال ديغول يقلده وسام حرب عام 1943م، اعترافا له بما قدمه لفرنسا خلال حربها ضد إيطاليا وألمانيا.

تم تسريحه بصفة نهائية من الجيش الفرنسي شهر جويلية 1945م، حائزا على وسام عسكري وأربعة تشريفات. 

وبالنسبة لموقف بن بلة من مشاركته في هذه الحرب إلى جانب فرنسا نجده يعتبر نفسه بأنه يقاتل في سبيل قضية عادلة مادام أن الأمر يتعلق بالفاشية والنازية، ضف إلى هذا فهو مجبر لا مخير على المشاركة في حرب لا تعنيه لأن التجنيد كان إجباريا على كل الجزائريين. 

النشاط السياسي لأحمد بن بلة في الحركة الوطنية الجزائرية 

بعد تسريحه من الجيش الفرنسي عقب مشاركته في الحرب العالمية الثانية شرع في العمل السياسي الوطني الفعلي، فانخرط في صفوف حركة أحباب البيان والحرية لكنه لم يتقلد أي وظيفة معينة، ولم تسند إلى شخصه أي مسؤولية. انضم بعدها إلى حزب الشعب الجزائري بعد أن تلقى دعوة من طرف الحزب للانخراط فيه لتولي تنظيم فرع سياسي لهذا الحزب في مغنية، فقبل بهذا أين قام بدوره بمهمة استطلاعية في المنطقة لنشر مبادئ وأهداف الحزب وبهدف تأسيس مزيد من الخلايا السياسية للحزب، ونتيجة لجهوده تضاعف عدد المنخرطين في الحزب بمنطقة مغنية حيث لعب دورا مهما في كسب أنصار جدد لحزب الشعب ذي الأفكار الاستقلالية.

إلى جانب هذا شارك بن بلة أيضا في الانتخابات البلدية التي فاز فيها شهر أكتوبر 1947م، وعمل كمستشار بلدي في مغنية ضمن حركة انتصار الحريات الديمقراطية، وشارك كذلك في انتخابات 04 أفريل 1948م.

بعد تشكيل النواة الأولى للمنظمة الخاصة في فيفري 1947م، أوكلت لأحمد بن بلة مهمة رئاسة المنظمة الخاصة على مستوى القطاع الوهراني، ليتولى شهر سبتمبر 1949م القيادة الثالثة للمنظمة الخاصة، إلى جانب تعيينه كمسؤول عن التنظيم السياسي للحزب وبهذا يكون قد أصبح عمله يجمع بين الجانب السياسي والجانب العسكري.

بعد اكتشاف المنظمة الخاصة من طرف سلطات الاستعمار الفرنسي شهر مارس 1950م، تم اعتقال عدد من أعضائها من بينهم رئيسها أحمد بن بلة وذلك يوم 12 ماي 1950م بالجزائر العاصمة، أين حكمت عليه المحكمة بسبع سنوات سجنا تلقى فيها أشد أنواع العذاب النفسي والجسدي، لكن في الأخير تمكن من الفرار من سجن البليدة في 16 مارس 1952م، ليلتحق بالوفد الخارجي لحركة انتصار الحريات الديمقراطية (محمد خيضر وحسين آيت أحمد) بالعاصمة المصرية القاهرة، كما أنه انضم لعضوية مكتب المغرب العربي ومن هنا باشر بن بلة نضاله السياسي المغاربي، حيث قام هذا الأخير بالاتصال بعبد الكريم الخطابي لدراسة خطة موحدة من أجل مباشرة الثورة في كامل المغرب العربي، على اعتبار أن أحمد بن بلة كان مؤمنا بالنضال الثوري والكفاح المسلح ضد الاستعمار الفرنسي.

وفي هذا الإطار انتقل أحمد بن بلة في أوت 1954م، إلى طرابلس (ليبيا) لتنسيق العمل والتحضير للعمل المسلح، كما أنه حضر في الاجتماع الذي عقد بالقاهرة يوم 03 أفريل 1954م بدار الأمانة العامة للجامعة العربية، أين أعطيت الكلمة لأحمد بن بلة أين ذكر في سياق كلامه أنه هو وإخوة له في الجزائر آمنوا بالكفاح المسلح ضد الاستعمار، فالسبيل في نظره لتحرير وطنه والقضاء على سيطرة الاستعمار الفرنسي هو الكفاح المسلح.

نضال أحمد بن بلة في الثورة الجزائرية 1954م

مع اندلاع الثورة في 01 نوفمبر 1954م، أصبح أحمد بن بلة رسميا ممثلا لجبهة التحرير الوطني بالقاهرة ضمن تشكيلة الوفد الخارجي الجزائري، حيث تم تكليفه بالمالية والتسليح، بمعنى أن مهمته تلخصت في جمع الأموال لشراء الأسلحة لتزويد الثوار الجزائريين في الداخل بالعتاد الحربي، وهذا ما أكده أحمد بن بلة في قوله: "بينما كانت الثورة تنمو كنت مع أصدقائي في الخارج أنظم دعم العمليات بالسلاح كانت مهمتي الحصول على أسلحة من الأقطار العربية وإدخالها للجزائر".

بدأ أحمد بن بلة في تجسيد هذه المهمة من خلال عمله على تكوين مجاهدين جزائريين بالديار المصرية في مجالات التسليح والألغام، معتمدا في هذا الأمر على خبرته العسكرية حيث اختار حوالي عشرين طالبا جزائريا من الدارسين بالقاهرة ليتم تدريبهم في دورة لمدة 3 أشهر على حرب العصابات، إلى جانب هذا نجده أيضا بدأ العمل على التحضير لعمليات الإمداد بالسلاح، فأول شحنة أشرف عليها هذا الأخير حملت على متن اليخت "انتصار" ووصلت إلى الأوراس شهر ديسمبر 1954م، بعد نجاح هذه العملية قرر أحمد بن بلة إمداد المكافحين بالسلاح في الجهة الغربية (وهران) بالجزائر وهذا ما حصل فقد أبحر اليخت "دينا" يوم 28 فيفري 1955م، من ميناء الإسكندرية محملا بشحنة الأسلحة المتفق عليها والتي فاق وزنها 21 طنا ليصل في النهاية إلى الثوار الجزائريين بالغرب الجزائري.

إلى جانب هذه العمليات قام أحمد بن بلة بحضور عديد من الاجتماعات واللقاءات بالقاهرة مع أبناء وطنه من المناضلين، كان أبرزها حضوره في اجتماع 24 أفريل 1956م، أين راح بن بلة يشرح فيه للحضور ما قام به من عمل في سبيل جمع الأسلحة.

واصل بن بلة جهوده هذه إلى غاية اختطافه من طرف السلطات الفرنسية في حادثة اختطاف الطائرة يوم 22 أكتوبر 1956م، وكان هدف فرنسا من عملية الاختطاف هذه هو القضاء على الثورة الجزائرية وذلك بإلقاء القبض على بن بلة ورفاقه من الوفد الخارجي.

تم إطلاق سراحه يوم 19 مارس 1962م، وذلك بعد إمضاء اتفاقية "إيفيان" والإعلان عن وقف إطلاق النار، ليشارك بعدها في مؤتمر طرابلس (ليبيا) ابتداء من 27 ماي 1962م، أين تم الاتفاق فيه على التوجهات السياسية والاقتصادية للجزائر المستقلة.

حكم أحمد بن بلة

تم انتخاب أحمد بن بلة في 15 سبتمبر 1963م، كأول رئيس للجمهورية الجزائرية، وهنا اعتمد على نظام الحزب الواحد واختار نهج الاقتصاد الموجه والمسير(التسيير الذاتي)، كما أنه جاء بمستشاريين ماركسيين وشيوعيين عرب وأجانب لتسيير البلاد، لينتهي حكمه يوم 19 جوان 1965م.

وفاته

توفي أحمد بن بلة يوم 11 أفريل 2012م، عن عمر يناهز 96 عاما، في منزل أسرته بمدينة الجزائر، وعلى إثر هذا أعلنت الحكومة الجزائرية الحداد في البلاد وأقامت له جنازة رسمية، ودفن بمقبرة العالية بالجزائر العاصمة، وقد أطلق اسم الراحل أحمد بن بلة على مطار السانية بوهران تكريما له وتخليدا لاسمه.

في الأخير يتجلى لنا بأن أحمد بن بلة له إرث نضالي تجاه الاستعمار الفرنسي فهو يعتبر من أهم وأبرز الشخصيات الوطنية التي استطاعت أن تفرض وجودها على مسرح الحياة السياسية، بن بلة رجل من بين رجال كثر عاش حياة طويلة صنع فيها تاريخا يذكره، رجل كرس جل حياته في محاولة منه لتغيير الواقع الاستعماري الذي فرضته فرنسا.