تبحث الورقة في واحد من أكثر المواضيع إثارة للنقاش لدى المهتمين بالشأن التركي وما يسمى "بالإسلام السياسي" أو "ما بعد الإسلاموية". وتطرح تساؤلاً رئيساً حول مدى دقة الإدعاء القائل بأن تركيا تحولت منذ صعود حزب العدالة والتنمية "ذو الجذور الدينية" الى دولة "إسلامية"، مودّعة بذلك تدريجيا الدولة القومية العلمانية وأسسها، لا سيما مع سياسات الحزب في استدعائه الهوية والقيم الدينية إلى الحياة العامة بشكل متزايد، وبالتزامن أيضا مع ما يثار حول مسألة تحوّلّ حزب العدالة والتنمية إلى حزب مهيمن، وتحوّل النظام الحزبي نفسه في تركيا إلى نظام الحزب المهيمن. وتحاجج الورقة بأنه من الصعب إن لم نقل من غير الممكن لأي حزب مهما كانت خلفيته الأيدولوجية أو الدينية التحرك بحرية خارج إطار "الدولة" التركية وشكلها وطبيعة نظامها ومبدأ "الدولنة" فيها، باعتبار الدولة التركية الحديثة نفسها المحدد الفعلي لدور جميع الفاعلين في الساحة السياسية.

أهمية البحث

 تكمن أهمية البحث في محاولته الإجابة عن الأسئلة الجدلية التي لطالما طرحت ولا تزال تطرح عند الحديث عن فرادة وتناقضات حالة تركيا العدالة والتنمية، فحزب ينتمى إلى ما يسمى بالإسلام السياسي أو ما بعده، استطاع الوصول إلى السلطة بشكل ديمقراطي، عبر صناديق الاقتراع، ومن خلال نظام علماني "أتاتوركي" قيّد الإسلام السياسي بنسخته القديمة "الأربَكانية" وأقصاه تاريخيا من خلال المؤسسة العسكرية، وفوز الحزب بالانتخابات لأربعة دورات متتالية وبقائه في السلطة لما يزيد عن 18 عاما، استطاع خلالها ترويض العسكر وإفشال انقلابهم الذي دعمه أو خطط له الكيان الموازي (جماعة فتح الله غولن الدينية) في سبتمبر 2016، وإجرائه استفتاء شعبيا في 2017 كانت نتيجته تحوّل النظام البرلماني إلى نظام الرئاسة التنفيذية. بالإضافة إلى الاتهامات المتكررة للحزب بمعادات العلمانية والحديث المتجدد عن تزايد الممارسات التي تستعيد تدريجيا الحضور الديني للإسلام على مستوى هوية الدولة والمجتمع، مثل بناء مزيد من المساجد، وفرض ضرائب على التبغ والكحول وحظر الإعلان عن الأخير، وفك القيود عن ارتداء الحجاب في الأماكن الحكومية، وتزايد الاهتمام بالتعليم الديني وبِخريجي المدارس الإسلامية.

السؤال البحثي

 يسعى البحث بناءً على ما سبق إلى الإجابة عن السؤال البحثي الرئيسي: هل يعكس صعود الإسلام السياسي في تركيا وصموده، واسترجاع الدولة "هويتها" الإسلامية -التي حاولت الأيديولوجية الأتاتوركية صهرها منذ نشأة الجمهورية- تحوّلا من الدولة القومية العلمانية إلى "دولة إسلامية"؟

وينقسم السؤال البحثي الرئيسي إلى ثلاثة أسئلة فرعية تساعدنا في تفكيك الحالة ومحاولة فهمها بشكل أعمق وهي: 

  1. إلى ماذا يشير وصف "إسلامي" في سياق العصر الحالي؟
  2. وماذا يعني "إسلامي" في السياق التركي تحديدا؟ وهل يمكن أن يحكم حزب ذو هوية إسلامية من غير إقامة دولة إسلامية، وكيف؟
  3.  وما هي محددات دور الإسلام السياسي في الحياة السياسية في تركيا؟
خريطة البحث

يتكون البحث من ثلاثة أقسام، قسم المقدمة، وقسم مراجعة الأدبيات بإطاريها المفاهيمي والنظري، وقسم التحليل والخاتمة. حيث سيركز الإطار المفاهيمي على مفاهيم مدخلية هي الدولة الدينية "الثيوقراطية" والسلطة الدينية والحزب الديني والعلمانية والنظام العلماني، أما الإطار النظري فيستناول معنى "إسلامي" في السياق المعاصر. والقسم الثالث سنخصصه للبحث في معنى "إسلامي" في السياق التركي بشكل خاص، والحديث عن الهوية والقيم والتقاليد وارتباطها بالسياسة في تركيا، مع التركيز أكثر على محددات دور الإسلام السياسي في الحياة السياسية في تركيا.