منذ أن بزغ فجر الإسلام وجاء الحبيب المصطفى يحمل البشائر والتهاليل أخذت الأمة الإسلامية تكبُر ويشتد عضُدها يوما بعد يوم في رحاب النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وبعد وفاته في رحاب الصحابة والتابعين، فمنذ أن نطق الصديق مقولته الشافية الكافية لحظة وفاته -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أما بعد من كان منكم يعبُد محمداً فإن مُحمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت"، وتلا قوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) آل عمران 144.

ومنذ ذلك الوقت لم يتوان صحابي جليل أو تابعي صادق في نصرة الإسلام وإعلاء شأنه، فتوالت الفتوحات من عامهم ذاك وامتدت الشريعة الإسلامية محتضنة أجزاء كبيرة من الأرض إلى صدر الإسلام والأمة الإسلامية، وأخذت حدود الدولة الإسلامية تمتد وتكبر فتحا بعد فتح ونصرا بعد نصر، حيث شملت في كنفها الجزيرة العربية ومساحات مديدة من أوروبا وإفريقيا إلى أن شاخت وخارت قواها وانقطع آخر نفس لها في شهر أكتوبر من عام 1923 بزوال الدولة العثمانية، وبعد أن تقاسم دول العالم الأول التركة كانت تركيا هي وريثة الدول الإسلامية العثمانية.

وعد بلفور !!!

تعرض اليهود للطرد والاستبعاد في عديد من دول العالم وفي كل مرة يستقرون فيها في مكان يتم طردهم وتشريدهم وأحيانا ترتكب مجازر في حقهم، مما نمّى هذا روح الحقد في نُفوسهم وجعلها متأججة للثأر والانتقام من كل العالم والشروع في بناء وطن رسمي لهم مُعترف به من قِبل جميع دُول العالم.

 في الثاني من نوفمبر عام 1917 بعث وزير خارجية المملكة المتحدة آرثر بلفور بنص وعده إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد ابن آل روتشيلد أحد أبرز أوجه المجتمع اليهودي البريطاني -والذين سنتحدث عنهم كثيرا في مختلف التأثيرات التاريخية وتحديدا الاقتصادية والسياسية- وذلك لنقله إلى الاتحاد الصهيوني لبريطانيا العظمى وإيرلندا، وتم نشر نص الوعد في الصحافة بعد يومين أي في التاسع من نوفمبر من نفس العام.

 وكما يعلم العالم الآن دون الحاجة إلى نص أن وعد بلفور كان يتضمن وهب الدولة الفلسطينية لليهود ليُقيموا فيها وطنا قوميا لهم وجمع شتاتهم، فقد كانت بريطانيا قد بدأت بالنظر في شأن مستقبل فلسطين مباشرة بعد إعلانها للحرب ضد الدولة العثمانية في عام 1914. 

هكذا وبعد هذا الوعد بدأت زعزعة حدودنا الجغرافية الإسلامية مزعزعة معها حدود قلبنا وتآلفنا وتكاتفنا وانتهت عليه وحدتنا الجغرافية، وفي الطريق إليها وحدتنا القلبية فلا سبيل لهم للحصول على ما ينشدونه دون تفريقنا قلباً وقالباً.

 بدأ اليهود مباشرة بالتخطيط لإنشاء وطنهم المزعوم على حساب الدولة الفلسطينية وعلى حساب العالم العربي أجمع ثم العالم الإسلامي.

 الوطن المنشود بالنسبة لليهود ليس فقط مجرد وطن قومي على الضفة الغربية وإنما ما ينشدونه حقيقة هو بلاد ما بين النهرين النيل والفرات وهذا الأمر عقدي عندهم ويسمى عقيدة من النيل إلى الفرات، فهذا ما حُفر في صدر كل يهودي وما بُني عليه فكره.

 حيث نجد أن هذا مدون في مدخل مبنى الكنيست الإسرائيلي -البرلمان الإسرائيلي- النص المنقول من التوراة المحرفة: (ولما تجلى الرب على إبراهام منحه الأرض المقدسة من النيل إلى الفرات)، ونفس هذا نجده مُتـداولاً بأسلوب آخر في المناهج الدراسية لديهم: (في ذلك اليوم عقد الله ميثاقا مع أبرام قائلا: سأعطي نسلك هذه الأرض، من وادي العريش إلى النهر الكبير نهر الفرات ...) فإسرائيل ليست موطنا قوميا لليهود وليست حدودا جغرافية معينة معروفة وإنما إسرائيل تتكون من حجري أساس ألا وهما مبنى الموساد (جهاز المخابرات الإسرائيلي) والجنود الإسرائيليون فتقريبا كل سكان إسرائيل عبارة عن جنود فإن لم يكونوا تحت الخدمة فهم في حالة احتياط.

 في عام 1950 سُئل رئيس الوزراء الإسرائيلي عن حدود إسرائيل فأجاب: أن حدود إسرائيل تكون عند المكان الذي يقف فيه جُندي من جنود جيش الدفاع الإسرائيلي، أما بالنسبة لعلم إسرائيل ذي الشريطين الزُرق ونجمة سيدنا داوود أو خاتم سُليمان نبي الله فإنهم يزعمون أن هذه الشرائط مقتبسة من ثياب خاصة لهم للصلاة وهو شال يحتوي على شرائط زرقاء في نهايته، وأكثر الأقوال السائدة بخصوصهما هو النهران فأحد الشريطين يرمز لنهر النيل والآخر للفرات فتلك حدودهم الموعودة.

وكما أُثر عن اليهود في الإنجيل أنهم حيات أولاد أفاعي، حيث أنهم بدؤوا بالتصرف على هذا الأساس لنيل وطنهم المنشود، فما كان منهم إلا أن يتبعوا سياسة فرق تسد ولكن كيف؟ لعلمهم أن العرب في أصلهم يميلون للتوحد فكانوا مدركين تماما أنه في أي لحظة قد يتوحدوا ضدهم، وإذا قاموا بتأليب دولة ما لصالحهم على دولة أخرى فمن المتوقع جدا أن تتصالح الدولتان فكان لابد من طرق ملتوية لتفريق الجماعات وتكون إسرائيل بعيدة تماما عن الصورة، ويا حبذا لو ظهرت بمظهر الضحية لتنال تعاطف العالم ودعمه المادي والمعنوي، فبدأوا بوضع الخطط وإثارة الفتن بعيدة المدى واستغلال ما يقع منها، وأيضا إنشاء حروب لزعزعة الأمن وجعل المواطنين يضطرون للرحيل، وبذلك يتمكنون من استجلاب عديد من اليهود المنتشرين حول العالم دون انتماءات. 

هذه من السياسات التي اتبعوها في الضفة الغربية جاعلين بذلك المواطنين ينزحون تاركين خلفهم العقارات والأراضي الزراعية والأملاك في مقابل بسيط جدا، وإذا حدثت مشكلة بسيطة بين أي أسرتين أو عائلتين فإنهم يعملون مباشرة على تصعيد الموقف ليتدخلوا بحجة إحلال السلام جالبين جراراتهم ومعداتهم لتهدم المنازل وترحل السكان، وما جعلهم يعيدون النظر في هذا الأمر هو خوف اليهود المنتشرين في العالم من العودة إلى هذه المنطقة بحجة أنها غير آمنة ومهددة بخطر الإرهاب، فبدؤوا برنامج تجنيد القادة وهو برنامج يقوم بتجنيد أفراد ليكونوا قادة ورؤساء للدول تحت إمرتهم. 

فما كُشف من أوراق الموساد أن الرئيس الليبي معمر القذافي قد وصل للرئاسة بمساعدتهم وما أثبت ولاءه لهم في حرب الستة أيام أو حرب أكتوبر المعروفة لدى المصريين بنكسة 67 في عام 1967 حيث أُرسل القذافي على رأس جنوده إلى سيناء كصديق ومعاون لمصر والعراق وسوريا والأردن ولبنان ولكن حقيقة ما قام بفعله هو عرقلة سير الجنود مما عاد بالنفع على إسرائيل والتي انتصرت انتصارا باهرا دون خسائر تذكر لها وكانت النتيجة احتلال سيناء وآبار النفط حتى أصبح يمثل شركة النفط القومية بالنسبة لهم وتهجير معظم سكان مدن قناة السويس وعشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة ومحو قُرى بأكملها وفتح باب الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية، وتابعوا مسيرة تجنيد القادة حتى نرى عددا منهم في أيامنا هذه، وافتعلوا الحروب وفرقوا الاتحادات وعملوا على إنشاء الطوائف الدينية وزرع بذور العنصرية التي تساهم في انفصال كل جماعة لتشكل دولة مستقلة ليسهل احتلالها وإقصاء سكانها.

 وفي عام 1991 في مؤتمر مدريد للسلام قَبِل العرب بمبدأ (الأرض مقابل السلام) حيث تعود الحدود إلى ما كانت عليه قبل الحرب مقابل الاعتراف بإسرائيل و مساءلتهم إياها وفيما بعد قامت عديد من الدول العربية بإنشاء علاقات فردية مع إسرائيل والتطبيع معها، وما زالت هذه الأمور تحدث إلى أيامنا هذه عن طريق قادات تم تجنيدهم مسبقا وعلى شعوب تجهل تاريخها وتعجز عن استنتاج ما في نظرها من مُحدثات الأمور.