بالرغم من إبداء الرئيس الصومالي محمد عبد الله محمد بشكل علني رغبة حكومته باستمرار وجود القوات الأمريكية في بلده، إذ قال أن دعم الولايات المتحدة "مكنتنا من محاربة حركة الشباب بشكل فعال"، وأضاف أنه "لا يمكن تحقيق الانتصار إلا من خلال الشراكة الأمنية المستمرة والدعم لقدرات الجيش الصومالي، أعلن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب عزمه على سحب القوات الأمريكية من الصومال. وحذر بعض الخبراء من أن تقوض هذه الخطوة الأمريكية التطورات الأمنية التي شهدتها الصومال في السنوات الأخيرة، إذ قد يعطي هذا الانسحاب لحركة الشباب فرصة للعودة إلى المشهد الصومالي بكل قوة، كما يأتي القرار قبل أقل من شهر من موعد الانتخابات الوطنية في الصومال. وذكرت وسائل الإعلام العالمية أنه يجري نقل هذه القوات إلى دول أفريقية أخرى مثل كينيا وجيبوتي المجاورتين، إذ تعد الأخيرة موطن القاعدة العسكرية الأمريكية الدائمة الوحيدة في إفريقيا.

ويُذكر أن القوات الأمريكية في الصومال تتركز مهمتها بمساعدة الجيش الصومالي على مواجهة حركة الشباب المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة. ورغم أن تلك المهمة لا تحظى باهتمام كبير في الولايات المتحدة، لكنها تُعدّ حجر أساس لجهود البنتاغون العالمية للتصدّي لتنظيم القاعدة. وقد سعى البنتاغون في بيان له للتقليل من أهمية تداعيات الانسحاب وأفاد أنه "على الرغم من أن هذا الإجراء يمثل تغييرًا في وضع القوة، فإنه لا يُعدّ تغييرًا في سياسة الولايات المتحدة"، وأضاف: "إن الولايات المتحدة تحتفظ بالقدرة على تنفيذ العمليات في الصومال وجمع المعلومات والمؤشرات المتعلقة بالتهديدات التي قد تمثلها حركة الشباب."

سأحاول في هذا الورقة، أن أجيب عن السؤال الآتي: ما هي المحددات الرئيسة للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصومال؟ وذلك من خلال مسح مقتضب للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصومال منذ عام 1960. 

وأذكر أنه ما يزال اهتمام الولايات المتحدة بالصومال مدفوعًا بشكل أساسي بـالخوف من أن تصبح ملاذًا آمنًا للقاعدة والمنظمات التابعة لها، وأن يؤدي الصراع في الصومال إلى زعزعة الاستقرار في الدول المجاورة في منطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الاستراتيجية. ولكن للأسف، فقد تحققت كل هذه المخاوف، ولم تظهر حركات متشددة تعادي كل ما هو أمريكي فحسب، بل أيضا أنتج الصراع حالات إنسانية حرجة. كما أناقش العوامل الحالية التي أدت إلى هذا الانسحاب السريع، وأفترض أن قرار الانسحاب يمكن النظر إليه من عدة جوانب: أولها العوامل السياسة الداخلية الأمريكية، وأيضا على مستوى منطقة الشرق الأوسط الكبير والدول المجاورة، وأخيرًا على التطورات الأخيرة في الصومال. 

استخدمتُ في هذه الورقة منهج دراسة الحالة، لأنه يسمح للباحث بالكشف عن العوامل والآليات المعقدة التي تفضي إلى نتيجة معينة وتقنية تتبع المسار، التي تستلزم فحص الأدلة التي تسهل الكشف عن المنعطفات والآليات الموجودة في أوقات معينة لشرح الكيفية التي أدت إلى مسارات معينة ونتائج محددة داخل الحالة قيد الدراسة. 

أخيرًا، تنقسم المقالة كالآتي:

أبدأ

بتاريخ العلاقات الأمريكية الصومالية،

ويليها

حديث عن طبيعة الغارات الجوية الأمريكية في الصومال،

وأختتم

بالعوامل التي أدت إلى انسحاب القوات الأمريكية من الصومال.