تُبيّن آيات القرآن الكريم أن إبراهيم (عليه السلام) هو أبو الأنبياء، وأبو هذه الأمة وأن "شجرة النبوة" منه، وأنالأنبياء المذكورين بعده في القرآن والمبعوثين بعد زمانه، هم من نسله وذريته.
وبهذا السياق ورد اسم إسرائيل -يعقوب- المرة الثانية في القرآن، وذلك في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾]مريم:٥٨[.
ذكرت الآية أربعة أنبياء: آدم ونوح وإبراهيم وإسرائيل. وذكر آدم عليه السلام باعتباره أبو البشر. وذكر نوح عليه السلام باعتباره أبو البشرية الثاني بعد الطوفان. وذكر إبراهيم عليه السلام لأن النبوة انتهت إليه، وشجرة النبوة استقرت عنده فهو أبو الأنبياء.
وقد تفرع من شجرة النبوة فرعان:
1- الفرع الإسماعيلي: المتمثل في إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وهذا الفرع خُتم بخاتم الأنبياء والمرسلين رسول الله محمد (ﷺ)، سيد ولد إسماعيل، بل سيد ولد آدم، بل أفضل المخلوقين جميعاً وأحبهم إلى الله.
2- الفرع الإسرائيلي: المتمثل بإسرائيل -يعقوب- حفيد إبراهيم عليهما الصلاة والسلام وهو أبو بني إسرائيل وأصل أسباطهم، وكل أنبيائهم من ابنه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم حتى عيسى بن مريم من ذرية يعقوب من جهة الأم؛ لأنه لا أب له عليه الصلاة والسلام، ولهذا الاعتبار ورد ذكر إسرائيل معطوفاً على إبراهيم عليهما السلام في الآية: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ﴾.
وقد صرّح القرآن بأن الله جعل النبوة في ذرية كل من إبراهيم ويعقوب عليهما الصلاة والسلام، قال تعالى: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾]العنكبوت:٢٦-٢٧[.
فالله وهب لإبراهيم كلاً من إسحاق ويعقوب عليهم السلام وكان ذلك بعد أن هاجر إلى الله وغادر العراق إلى الأرض المقدسة. (القصص القرآني، المصدر السابق، (٢/٦٠).
3- أنبياء الفرع الإسرائيلي:
وقد جعل الله النبوة والكتاب في ذرية إبراهيم وحفيده يعقوب عليهما الصلاة والسلام، والراجح أن ضمير التثنية في قوله: ﴿فِي ذُرِّيَّتِهِمَا﴾يعود على إبراهيم ويعقوب ووجه الترجيح في ذلك ما سبق أن قرّرناه من تفرع فرعي النبوة من الشجرة الإبراهيمية: الفرع الإسماعيلي، والفرع الإسرائيلي.
لقد استمرت النبوة في الفرع الإسرائيلي عدة قرون حيث بعث الله أنبياء عديدين إلى بني إسرائيل؛ أولهم نبي الله إسرائيل نفسه عليه السلام، الذي كان نبياً لأبنائه ثم ابنه نبي الله يوسف عليه السلام، ثم الأنبياء الآخرين من بني إسرائيل، مثل موسى وهارون وداود وسليمان وزكريا ويحيى، وآخرهم هو عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام.
4- ختم النبوة بالفرع الإسماعيلي:
ختم الله النبوة في الفرع الإسرائيلي بعيسى ابن مريم عليه السلام، وهو آخر أنبياء بني إسرائيل الذي خلقه الله خلقاً معجزاً، بدون أب، وأظهر على يديه كثيراً من المعجزات.
وشاء الله أن يختم النبوة كلها لنبيّ من الفرع الإسماعيلي وهو أفضل الخلق جميعاً، محمد (ﷺ).
5- بداية تاريخ بني إسرائيل من يعقوب:
يبدأ تاريخ بني إسرائيل من يعقوب عليه السلام وصِلتهم بإبراهيم كصلتهم بإسماعيل عليهما السلام، أليس إسماعيل عمّاً ليعقوب؟ أليس هو شقيق أبيه إسحاق؟ فلماذا لا يجعلون تاريخه تاريخاً لهم مع أنه عمّ لأبيهم؟
لو كانوا "بني إبراهيم" لبدأ تاريخهم من تاريخ إبراهيم، ولو كانوا "بني إسحاق" لبدأ تاريخهم من تاريخ إسحاق.
ولأنهم "بنو إسرائيل" أي: بنو يعقوب، فإن تاريخهم يبدأ من تاريخ يعقوب عليه السلام، فلهم أن يتوقفوا عند حياته وحياة أبنائه الاثني عشر وأن يعتبروا هذا بداية لوجودهم وحياتهم وتاريخهم، هذا لمن ثبت أصله ونسبه بيعقوب عليه السلام. (القصص القرآني، المصدر السابق، (٢/٦٢).
وإسرائيل عليه السلام نبي كريم، ومؤمن عظيم، ولاؤه وبراؤه لله، فهو يوالي كل مؤمن مهما ابتعد عنه في النسب أو الزمان ويتبرأ من كل كافر ولو كان من صُلبه ونسله وذريته.(القصص القرآني، المصدر السابق، (٢/٦٢).