يُعرّف الفساد بأنّه الأعمال غير النزيهة التي يمكن أن يقوم بها الأشخاص الذين يشغلون مناصبا في السلطة، مثل المدراء، والمسؤولين الحكوميين وغيرهم، وذلك لتحقيق مكاسب خاصة، ومن الأمثلة على ظواهر فساد المسؤولين إعطاء وقبول الرشاوى والهدايا غير المُستحَقة، والمعاملات السياسية غير القانونية، والغش أو الخداع، والتلاعب في نتائج الإنتخابات، وتحويل الأموال، والاحتيال، وغسيل الأموال وغيرها[1]. ويقع الفساد كذلك من عامة الناس بدءًا من أبسط التصرفات كالتسيب والإحتيال على المدراء.

بشكل عام يوجد شكلان رئيسيان للفساد[2] وهما: الفساد الثانوي الذي تكون تأثيراته قليلة وغير مؤثرة إجمالاً على البلاد، بحيث تمسّ كميات قليلة من الأموال، لكن يمكن أن تتفاقم آثاره لتتسبب في ظهور مشاكل كبيرة، ومن أشكاله دفع الأموال غير المستحقة للحصول على مقاعد دراسية، أو للحصول على ترقيات مهنية سريعة أو للانتقال إلى قاضٍ آخر للتنصل من قرار المحكمة وما إلى ذلك. أما الشكل الثاني فهو الفساد الضخم والذي يؤثر تأثيراً سلبياً مباشراً وطويل الأمد على البلاد، حيث ينطوي على مبالغ مالية هائلة، ويقوم به مسؤولون ذوي مكانة عالية في البلاد.

يطرح الفساد بكل أنواعه تحديات خطيرة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويُحوِّل الموارد التي من المفترض أن تعود بالفائدة على المجتمع ككل إلى استخدامات ذات فائدة خاصّة، كما يُقيّد الفساد ملايين الأشخاص بشكل يومي، ويَحرمهم من التمتع بحقوقهم وحرياتهم الأساسية، مما يُكرس ديمومة الفقر ويُعيق النمو الاقتصادي. 

وقد أدى الإدراك الجماعي للتحديات والمشاكل التي يسببها الفساد المستشري إلى حدوث ثورة سياسية، وفي بعض الحالات ثورات شعبيّة حيث أن الفئات المجتمعية المحرومة بسبب الفساد طلبت المساءلة من حكوماتها والمسؤولين الحكوميين[3].

كان لابد أن نسلط الضوء على الطرق التي يمكن من خلالها كبح مظاهر الفساد في جميع أنحاء العالم، لأننا ببلوغ مجتمع خالٍ من الفساد سنعزز سيادة القانون ونحقق غايات العدالة وسنضمن تقدم المبادئ الأساسية لإقامة مجتمع عادل. 

وضع السيد ديمتري "رئيس فرع الجرائم الإقتصادية والفساد" ثلاثة طُرق رئيسية من أجل الحدّ من الفساد، معتبرا النجاح في ذلك "تحقيقٌ لتحول جادٍ وضمان لتقدم المجتمع العالمي على مدى الأجيال نحو عالم أفضل"، وقد دعى إلى ضرورة مشاركة الشباب بفاعلية في جميع المراحل والجهود المبذولة للقضاء على الفساد العالمي وتحقيق التنمية المستدامة، وذلك لاعتباره الشباب هم الجيل القادم من القادة السياسيين ورجال الأعمال والموظفين المدنيين والمربين والعاملين في المجتمع، مضيفا بأنّهم يمثلون النسيج الأساسي للمجتمع، ونُبيّن تلك الطرق الرئيسية الثلاثة للحد من الفساد فيما يأتي: [3]

1- التركيز على التعليم..«المؤسسات التعليمية والدينية أمام مسؤولياتها»

لا تخفى أهمية التعليم باعتباره مفتاحاً للتنمية وتطوير المجتمعات، ومن الضروري إيلاء المزيد من الإهتمام للتعليم الشامل للأجيال القادمة، وذلك بمتابعة المناهج الدراسية وضمان مواءمتها مع متطلبات وتغيرات العصر الحديث لتعزيز الأفكار الإيجابية والقيم المجتمعية مع مراعاة حماية الفئات المستضعفة، و زرع معاني المساواة بين الجميع، كما تتطلب هذه الجهود أيضًا ضمان حصول جميع الأطفال على التعليم الكافي ووسائل النقل والمرافق المناسبة مع ضمان استمرارية الدعم الحكومي والمجتمعي.

كما يجب ضمان التعليم الشامل للجيل القادم من خلال المؤسسات المجتمعية والدينية، وفرص التدريب المهني، والمشاركة في العمليات العامة والسياسية كجزء لا يتجزأ من التنشئة الاجتماعية والتنمية، ويعتبر رئيس فرع الجرائم الإقتصادية والفساد أن هذا النهج يسُد الفجوة بين الأجيال الشابة والمؤسسات السياسية التي تمثل مصالحها وتخدمها، ويُعزز من العلاقات ما يجعل الطالب أكثر إنتاجية والحوار أكثر انفتاحًا. 

2- «ثقافة أصيلة ثابتة».. النزاهة والعيش وفقا للمبادئ! 

يرتبط هذا الجزء ارتباطًا وثيقًا بالتركيز في التعليم على الحاجة إلى إشاعة ثقافة النزاهة، لتكون أصيلة ثابتة في المجتمع، في حين أن هذه الثقافة يمكن تعزيزها وتطويرها من خلال التعليم الشامل للجيل القادم الذي تمت مناقشته سابقًا. 

  إنّ العيش وفقًا للمبادئ يبدو أساسيًا وواضحًا مثل "عدم تجاوز القانون"، وكما قال المؤلف روبرت فولغوم : " فإن هذه الحكمة لا يمكن العثور عليها في قمة جبل معاهد الدراسات العليا، ولكن في رمال المدرسة الابتدائية."

إلا أنه لا يوجد سبب لتقييد هذه الجهود على الشباب فقط! فيمكن لموظفي الخدمة المدنية والقادة السياسيين والجهات الفاعلة في القطاع الخاص -سواء بشكل فردي أو جماعي- البدء في إنشاء وتعزيز ثقافة النزاهة التي تركز على تقديم خدمات عالية الجودة ومعايير الأداء المهني الممتاز، ومعاملة الأفراد باحترام وكرامة، وقبل كل شيء، اللعب بنفس قواعد الإنصاف والموضوعية، وهذا يعني أن العيش وفقًا للمبادئ يبدو أساسيًا وواضحًا مثل "عدم تجاوز القانون"، وكما قال المؤلف روبرت فولغوم : " فإن هذه الحكمة لا يمكن العثور عليها في قمة جبل مدرسة الدراسات العليا ، ولكن في رمال المدرسة الابتدائية."

3- طلب المحاسبة.. «العامّة في الأوقات الصعبة!»

ولكي ينجح أي مجتمع في كبح الفساد والحفاظ على ثقافة النزاهة، يجب أن تكون هناك آليات تعمل كمراقبة للتفكير أو السلوك الذي يمثل تراجعًا عن الأساليب الفاسدة السابقة في ممارسة الأعمال التجارية في القطاعين العام والخاص.

يساعد هذا الرصد والإشراف على تعزيز النزاهة والكفاءة المهنية بشكل إيجابي مع مساءلة من يجرؤون على انتهاك المعايير الاجتماعية الإيجابية. 

من أجل إنشاء مثل هذه المؤسسات، يرى ديمتري أن الأمر متروك للعامة للمطالبة بالمساءلة من قادتهم السياسيين وموظفي الخدمة المدنية والجهات الفاعلة في القطاع الخاص. ويجب أن يستمر هذا المطلب خلال الأوقات الصعبة التي تمر بمرحلة انتقالية سياسية أو الانكماش الاقتصادي، عندما تكون إغراءات الانخراط في سلوك غير قانوني وفاسد في أعلى مستوياتها، وقد تم التأكيد على الحاجة إلى مثل هذه التحولات مرارا وتكرارا في دراسات ومؤتمرات دوليّة متعددة.