إن الله سبحانه وتعالى قدّر آجال الخلائق، بحيث إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، قال تعالى:"إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ" (يونس: 49) . وقال تعالى:"وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً" (آل عمران: 145) .
وعن عبد الله بن مسعود قال: قالت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أمتعني بزوجي رسول الله، وبأبي أبي سفيان وبأخي معاوية، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم، قد سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئاً قبل حله، ولن يؤخر شيئاً عن حله، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب النار، وعذاب القبر: كان خيراً وأفضل .(ابي العز الحنفي،1996، ص320)
فالمقتول ميت بأجله، فعلم الله تعالى وقدّر وقضى أن هذا يموت بسبب المرض وهذا بسبب القتل، وهذا بسبب الهدم، وهذا بالحرق، وهذا بالغرق، إلى غير ذلك من الأسباب، والله خلق الموت والحياة، وخلق سبب الموت والحياة .
ولما قتل في غزوة  أحد من المسلمين من قتل، وأخذ المنافقون من ذلك قضية يلونها بألسنتهم، ويلوون المسلمين على خروجهم لقتال المشركين وإن إخوانهم الذين قتلوا، لو كانوا عندهم، ولم يخرجوا للقتال، ما ماتوا وما قتلوا فرد عليهم القرآن أبلغ الرد، مندداً بهم وبموقفهم، فقال:"وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ" (آل عمران: 154) . وقال عز وجل:"وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ" (فاطر: 11) . والمعمر: من يعيش عمراً طويلاً في العادة، ومن ينقص من عمره: من يعيش عمراً قصيراً، قدره بعضهم بما قبل الستين، والضمير في "عُمُرِهِ" عائد على الجنس لا على العين، لأن الطويل العمر في الكتاب وفي علم الله لا ينقص من عمره.
وجاء عن ابن عباس في تفسير الآية: ليس أحد قضيت له بطول العمر والحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر، وقد قضيت ذلك له، فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت لا يزاد عليه، وليس أحد قدرت له أنه قصير العمر والحياة، ببالغ العمر "أي الطويل" ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي كتبت له فذلك قوله:"وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ" يقول: كل ذلك في كتاب عنده.
وبعضهم فسّر " وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ" بمعنى ذهب العمر قليلاً قليلاً ؛ سنة بعد سنة، وشهراً بعد شهر، وجمعة بعد جمعة، ويوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة، الجميع مكتوب عند الله في كتابه .(ابن كثير، 1990، ج2، ص550)
ومنهم من فسر نقص العمر بقلة البركة فيه، والزيادة في العمر بإلقاء البركة فيه ، فقد جاء في الحديث الشريف: من سره أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره ، فليصل رحمه .

فالآجال سواء كانت قصيرة أو طويلة مقدرة من أسبابها، وليست منفصلة عنها، كما يتوهم عوام الناس. 
فمن قدر له طول الأجل، قدر له أنه سيتهيأ له من الأسباب، من توافر الغذاء الصحي، وطيب الهواء النقي، وممارسة العمل البدني أو الرياضي والابتعاد عما يضر بالبدن تناوله، من المسكرات أو المخدرات، أو اللأشياء الضارة كالتدخين، أو طول السهر، أو ارتكاب المحرمات، فهو بهذه الأسباب يطول عمره، وهذه الأسباب مقدرة كمسبباتها. 

ومن قدر له قصر العمر، قدر له أن يبتلي بسوء التغذية، أو سوء التهوية أو الإصابة بعدوى أو تناول ما يضره ويؤذيه، أو يصيبه حادث في طريق، بأن يموت في كارثة عامة كالزلزال، أو يقتله قاتل عمداً أو خطأ، فيموت وينتهي أجله بواحد من هذه الأسباب أو غيرها، ولكنه مات في وقته المقدر له، وفي "أجله المسمى" عند الله، فلا انفصال في الأقدار بين المسببات وأسبابها بحال .(القرضاوي، 2009، ص60)
وقد يشكل على بعض الناس مواضع في كتاب الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول بعضهم: إذا كان الله علم كل ما هو كائن، وكتب ذلك كله عنده في كتاب الله فما معنى قوله:"يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ" (الرعد: 39) . وإذا كانت الأرزاق والأعمال والآجال مكتوبة لا تزيد ولا تنقص فما توجيهكم لقوله صلى الله عليه وسلم: من سرّه أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه . وكيف تفسرون قول نوح لقومه :"أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى" (نوح: 3 ـ 4) .
والجواب أن الأرزاق والأعمار نوعان:
نوع جرى به القدر ، وكتب في أم الكتاب، فهذا لا يتغير ولا يتبدل. 
ونوع أعلم الله به ملائكته ، فهذا هو الذي يزيد وينقص، ولذلك قال تعالى:"يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ" (الرعد: 39) ، وأم الكتاب هو اللوح المحفوظ الذي قدر الله فيه الإمور على ما هي عليه، ففي كتب الملائكة يزيد العمر وينقص وكذلك الرزق بحسب الأسباب، فإن الملائكة يكتبون له رزقاً وأجلاً، فإذا وصل رحمه زيد له في الرزق والأجل، وإلا فإنه ينقص له منهما .(ابن تيمية، 2004، ج8، ص540)
والأجل أجلان: أجل مطلق يعلمه الله، وأجل مقيد فإن الله يأمر الملك أن يكتب لعبده أجلاً، فإن وصل رحمه، فيأمره بأن يزيده في أجله ورزقه والملك لا يعلم أيزاد له في ذلك أم لا، لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر، فإذا جاء الأجل لم يتقدم ولم يتأخر .