ينظر في بعض الأحيان على أنّ المحددات قيود على الحوكمة، ولأنها في الواقع تمثل ضوابط لضمان فعالية تطبيق الحوكمة، إذ يمكن تقسيم هذه المحددات إلى محددات داخلية ومحددات خارجية.
المحددات الداخلية للحوكمة الرشيدة
المحددات الداخليّة تشير إلى القواعد والأسس التي تحدد كيفية اتخاذ القرارات وتوزيع السلطات في المصرف بين الجمعية العامة ومجلس الإدارة والمدراء. يؤدي توافرها وتطبيقها إلى تقليل التعارض بين مصالح هذه الأطراف الثلاثة في مراقبة أداء المصارف، وذلك من خلال حيازتهم إمكانية التأثير في تحديد توجهات الشركة. في حين يبرز حملة الأسهم دورا مهما في مجلس الإدارة، بوضع الاستراتيجيات وتوجيه الإدارة العليا ووضع سياسات التشغيل وتحمل المسؤولية والتأكد من سلامة موقف الشركة.
المحددات الخارجية للحوكمة الرشيدة
تشمل المحددات الخارجية للحوكمة الرشيدة القوانين المنظمة للنشاط الاقتصادي للدولة الذي تعمل من خلاله الشركات والمصارف، وقد يختلف من دولة إلى أخرى، والذي يشمل:
- القوانين واللوائح التي تنظم العمل بالأسواق: مثل قانون الشركات وقانون المصارف وقوانين العمل وقوانين الاستثمار ورأس المال والقوانين المتعلقة بالإفلاس ومنع الاحتكار.
- توفير التمويل اللازم للمشروع من خلال وجود نظام مالي جيد يشجع الشركات على التوسع والمنافسة.
- كفاءة الأجهزة والهيئات الرقابية (هيئة سوق المال والبورصة والبنك المركزي) في إحكام الرقاب على الشركات والمصارف وذلك من خلال التحقق من دقة وسلامة - البيانات والمعلومات المنشورة ووضع العقوبات المناسبة والتطبيق الفعلي في حالة عدم الالتزام.
- دور المؤسسات ذاتية التنظيم التي تضمن عمل الأسواق بكفاءة (ومنها على سبيل المثال: الجمعيات المهنية التي تضع ميثاق شرف للعاملين في السوق مثل المراجعين والمحاسبين والمحامين والشركات العاملة في سوق الأوراق المالية وغيرها) فضلا عن المؤسسات الخاصة للمهن الحرة مثل: مكاتب المحاماة والمراجعة والتصنيف الائتماني والاستشارات المالية ً والاستثمارية.
وترجع أهمية المحددات الخارجية إلى أن وجودها يضمن تنفيذ القوانين والقواعد التي تضمن حسن إدارة الشركة والتي تقلل من التعارض بين الفائدة الاجتماعية والعائد الخاص.
إلى جانب ما سبق ذكره، يجب علينا الأخذ بالاعتبار خصوصية البيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتنظيمية التي تعمل في ظلها الشركات العاملة، فضلا عن ضرورة إشاعة ما نسميه (ثقافة الحوكمة)، والتي تسعى إلى تحقيق اقتناع الإدارة العليا في الشركات بأن هناك حاجة إلى المزيد من الإفصاح والشفافية، وأن هناك رقابة على الإدارة تحد من ممارساتها السلبية تجاه أصحاب المصالح في الشركة.
ﺗﻘﻮم الحوﻛﻤﺔ على ﻫﻴﻜﻞ ﻳﺘﻀﻤﻦ مجموعة ﻣﻦ اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ وﺗﺘﺄﺛﺮ بمجموعة ﻣﻦ المحددات ﻧﻮﺟﺰﻫﺎ ﻓﻴﻤﺎ يلي:
ﻫﻴﻜﻞ ﻧﻈﺎم اﻟﺤﻮﻛﻤﺔ الرشيدة
ﻣﻦ ﺧﻼل اﻟﻌﺮض اﻟﺴﺎﺑﻖ لمفهوم الحوﻛﻤﺔ، ﻳﺘﻀﺢ ﻟﻨﺎ أﻧـﻪ ﻋﻨـﺪ ﺗﻄﺒﻴـﻖ ﻧﻈـﺎم الحوﻛﻤـﺔ يجب أوﻻ اﻷﺧﺬ في اﻻﻋﺘﺒﺎر ﻃﺒﻴﻌﺔ المؤﺳﺴـﺔ واﻟﻈـﺮوف التي ﺗﻌﻤـﻞ بهـﺎ وهيكلها اﻟﺘﻨﻈﻴﻤـﻲ واﻟﺜﻘﺎﻓـﺔ اﻹدارﻳـﺔ ﻟـﺪى أﻋﻀﺎء مجالس إدارتها والمدراء اﻟﺘﻨﻔﻴﺬيين بها، وﻫﺬا ﺑﺎﻟﻀﺮورة ﻳﺆدي إلى اﻟﻘﻮل ﺑﺄن ﻗﻮاﻋﺪ ﺣﻮﻛﻤـﺔ اﻟﺸـﺮﻛﺎت التي ﺗــﻨﺺ عليها ﻟــﻮاﺋﺢ الحوﻛﻤــﺔ التي ﺗﺼــﺪرﻫﺎ مختلف الهيئات اﻟﺪوﻟﻴــﺔ ﻫــﻲ ﻗﻮاﻋــﺪ ﻋﺎﻣــﺔ يجب أن تلتزم بهــﺎ اﻟﺸــﺮﻛﺎت، على أن ﺗﻘــﻮم اﻟﺸــﺮﻛﺔ -ﺣﺴــﺐ ﻇﺮوﻓﻬــﺎ- ﺑﺼــﻴﺎﻏﺔ ووﺿــﻊ ﻧﻈــﺎم ﺣﻮﻛﻤــﺔ بداخلها ﻳــﺆدي في اﻟﻨﻬﺎﻳــﺔ إلى اﻹﻟﺘــﺰام بتلك المبادئ، وﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﻓﺈن ﻫﻴﻜﻞ ﺣﻮﻛﻤﺔ اﻟﺸﺮﻛﺎت يجب أن ﻳﻘﻮم على اﻟﻌﻨﺎﺻﺮ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ: [1]
1- المشاركة: وهي حق الجميع، المشاركة في اتخاذ القرار مباشرة أو بواسطة مؤسسات شرعية ووسطية تمثل مصالحهم، وتركز المشاركة الرحبة على حرية التجمع وحرية الحديث، وعلى توفير القدرات للمشاركة البناءة.
2- الاستمرارية: وهي إمكانية استمرار نشاطات الشركة والتنمية الشمولية على المدى البعيد الداعية إلى تقليص حدة الفقر وتنمية الموارد البشرية.
3- الشفافية: والتي تركز على حرية تدفق المعلومات بحيث تكون العمليات والمعلومات في متناول المعنيين بها، وتكون المعلومات المتوفرة كافية لفهم ومتابعة العمليات في المؤسسات، إضافة إلى التزامها بالتوقيت المناسب وبالدقة في عملية الإفصاح عن جميع المعلومات الهامة المتعلقة بالمركز المالي، وبأداء الشركة وهيكل الملكية، وبحوكمة الشركة، وذلك من خلال قنوات اتصال معينة يمكن لجميع الأطراف المهتمة بالشركة الوصول إليها بسهولة. [2]
4- الشرعية: أن تكون السلطة مشروعة من حيث الإطار التنظيمي والتشريعي والقرارات المحددة من حيث المعايير في المؤسسة والعمليات والإجراءات بحيث تكون مقبولة لدى العامة، وتكمن أهمية هذا المبدأ في أنه يؤدي إلى رفع كفاءة الأداء وزيادة إنتاجية العمال، كما أن عدم تبني المشاركة يؤدي إلى إضعاف الدور الاستراتيجي للإدارات العليا، وذلك لانشغالها بالتفاصيل وعدم توفر الوقت الكافي للاهتمام بالاستراتيجية مما ينعكس سلبا على أداء الشركة.
5- العدالة والمساواة: بحيث تتوفر الفرص للجميع بكافة أنواعهم وأجناسهم لتحسين أوضاعهم أو الحفاظ عليها، مثلما يتم استهداف الفقراء لتوفير الرخاء للجميع وهذا ما يعطيها الميزة الخدماتية.
6- تعزيز سلطة القانون: بحيث تكون الأنظمة والقوانين عادلة وتنفيذها نزيه، سيما ما يتعلق منها بحقوق الإنسان وضمان مستوى عال من الأمن والسلامة العامة في المجتمع.
7- الكفاءة والفعالية في استخدام الموارد: حسن استغلال الموارد البشرية والمالية والمادية والطبيعية من قبل المؤسسات لتلبية الاحتياجات المحددة.
8- المساءلة: يكون متخذي القرارات في القطاع العام والخاص وفي تنظيمات المجتمع المدني مسؤولين أمام الجمهور ودوائر محددة ذات علاقة، كذلك أمام من يهمهم الأمر ولهم مصلحة في تلك المؤسسات، وتعني المساءلة تقديم كشف حساب عن تصرف ما وتشمل جانبين: الجانب الأول هو التقييم والجانب الثاني هو الثواب أو العقاب، أي تقييم العمل ثم محاسبة القائمين عليه، وبالتالي فمجلس الإدارة يخضع لمساءلة المساهمين والمدير العام بدوره يخضع لمساءلة مجلس الإدارة ويخضع المدراء التنفيذيون لمساءلة المدير العام والموظف يخضع لمساءلة مديره وهكذا.
9- التنظيم: الحوكمة تنظيمية أكثر منها رقابية بحيث تركز على نطاق الإشراف والمتابعة وتترك أمور التنفيذ والرقابة للمستويات الإدارية الأدبي وتبرهن على قدرتها على حل الأزمات الطارئة بفعالية كبيرة.
8 أهداف أساسية لحوكمة الشركات
تهدف قواعد الحوكمة إلى ضبط وتوجيه الممارسات الإدارية والمالية والفنية واحترام الضوابط والسياسات المرسومة، فهي تتناول الممارسة السليمة للقواعد وتساعد على جذب الاستثمارات، وزيادة القدرة التنافسية ومحاربة الفساد بكل صوره سواء كان إداريا أو ماليا أو محاسبيا، وتدعيم استقرار أسواق المال وتحسين الاقتصاد وذلك من خلال ما يلي: [3]
- التأكيد على الالتزام بأحكام القانون والعمل على ضمان مراجعة الأداء المالي ووجود هياكل إدارية تمكن من محاسبة الإدارة أمام المساهمين، مع تكوين لجنة مراجعة من غير أعضاء مجلس الإدارة تكون لها مهام واختصاصات وصلاحيات عديدة تحقق رقابة مستقلة.
- تدعيم عنصر الشفافية في كافة معاملات وعمليات الشركة وإجراءات المحاسبة والمراجعة المالية، وبالشكل الذي يمكن من الحد من ظاهرة الفساد الإداري والمالي.
- تحسين كفاءة استخدام موارد الشركة وتعظيم قيمتها بالأسواق، والقدرة على جذب مصادر التمويل المحلية والعالمية اللازمة للتوسع والنمو، بحيث يجعلها قادرة على إيجاد فرص عمل جديدة، مع الحرص على تدعيم استقرار الأسواق، الذي ينعكس إلى تحقيق الكفاءة والتنمية.
- ضمان التعامل بطريقة عادلة بالنسبة لأصحاب المصالح في حالة تعرض الشركة للإفلاس.
- زيادة الثقة في الاقتصاد القومي، وتعميق دور سوق المال وزيادة قدرته على تنمية المدخرات ورفع معدلات الاستثمار ودعم القدرة التنافسية.
- الإشراف على المسؤولية الاجتماعية للشركة عن طريق إجراءات مناسبة لنشاطاتها من خلال خدمة البيئة والمجتمع.
- كبح مخالفات الإدارة المحتملة وضمان التناغم الفعال بين مصالح الإدارة ومصالح المساهمين. [4]
- تحقيق إمكانية المنافسة في الأجل الطويل، وهذا يؤدي إلى خلق حوافز للتطوير وتبني التكنولوجيا الحديثة ودرجة الوعي عند المستثمرين حتى تتمكن الشركة من الصمود أمام المنافسة القوية.