عادةً ما ترتقي البلدان إلى حالة تحقيق الدخل المتوسط لكنها تتعثر هناك، حيث تشهد فجأة النمو المتسع الذي يشير إليه الباحثان "Gill" و"Kharas" عام (2007) باسم "فخ الدخل المتوسط"، يتركز النقاش حول هذه المصيدة على بلدان في شرق آسيا والمحيط الهادئ (EAP)، يستخدم المعلقون المصطلح غالبًا لوصف خطر سقف النمو (يتصاعد الدخل ثم يتوقف عند مرحلة معينة) في دول مثل ماليزيا وفيتنام والصين.

لقد حقق الباحثون في المخاطر المرتبطة بهذا الفخ في آسيا، وما الإصلاحات اللازمة للهروب منه، درس كل من الباحثين (Ohno) و (Le) سنة (2015) فخ سقف النمو لفيتنام والباحث (Fragen) وزملاؤه في (2013) درسوا هذا الفخ بالنسبة لماليزيا، بينما الباحث (Eichengreen) وزملاؤه في (2012)، والباحثان (Glaw and Wagner) درسوا أسباب توقف النمو عند سقف معين بالنسبة للصين سنة (2017). أما منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقد تم تجاهلها من هكذا دراسات، على الرغم من أن المنطقة تبدو عالقة في النمو المنخفض بشكل منتشر (Yousef) ( 2004).

نؤكد أن لدى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا علامات أكثر على فخ الدخل المتوسط ​​أكثر من البلدان التي تمت دراستها (Arezki et al. 2019)، ولإظهار السبب نعتمد تحليلًا غير بارامتري لديناميات النمو يساعد بمرونة في رصد التغييرات الحادة في النمو.

شكل (1) : مخطط النمو في بلدان شرق آسيا والمحيط الهادئ

شكل (2) : مخطط النمو في بلدان الشرق المتوسط وشمال أفريقيا

ملاحظة: تضم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: الجزائر والبحرين وجيبوتي ومصر وإيران والعراق والأردن والكويت ولبنان والمغرب وسلطنة عمان وقطر والمملكة العربية السعودية وسوريا وتونس والإمارات العربية المتحدة واليمن. تضم EAP: أستراليا، بروناي دار السلام، كمبوديا، الصين، فيجي، هونغ، هونغ كونغ، إندونيسيا، اليابان، كوريا، لاو، ماكاو، ماليزيا، منغوليا، ميانمار، نيوزيلندا، الفلبين، سنغافورة، تايلاند، وفيتنام.

 تظهر نتائج الانحدار الواضح (شكل 2) أن نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتراجع بسرعة مع ارتفاع مستويات الدخل. في المقابل، فإن نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في بلدان شرق آسيا والمحيط الهادئ ليس فقط أعلى في المتوسط ​​على طول سلم الدخل، ولكنه أيضًا ينخفض ​​عند مستويات دخل أعلى بكثير (الشكل 1) مما هو عليه (الشكل 2) في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتظهر قصة مماثلة إذا قارنا النمو مع إجمالي إنتاجية العامل في المنطقتين.

توضيح النمو البطيء لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هناك عديد من الأسباب وراء النمو البطيء في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكننا ندرس هنا ما هو متعلق بالتكنولوجيا المستخدمة للأغراض العامة، سواء كانت التكنولوجيا القديمة مثل الكهرباء وتطبيقاتها، أو التكنولوجية الحديثة مثل النطاق العريض والإنترنت. كانت وتيرة اعتماد التكنولوجيا في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أبطأ بكثير من تلك الموجودة في بلدان شرق آسيا والمحيط الهادئ، ومع ارتفاع الدخل تتسع الفجوة التكنولوجية بين المنطقتين بشكل كبير (الشكل 2).

وهذا يتفق مع ما توصل إليه الباحثان (Aghion and Howitt 1992) حيث يرتبط النمو الأسرع -لإنشاء الشركات وتدميرها- بالبحث والتطوير والابتكار، حيث سيتم تحفيز الابتكار ونمو الإنتاجية في الشركات من خلال المنافسة والدخل، لا سيما في الشركات القريبة من محيط التكنولوجيا (Aghion et al. 2014).

لكن العوائق التي تحول دون تحصيل الدخل الجيد مرتفعة بشكل ملحوظ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لذلك لا تشعر الشركات الحالية بضغوط كبيرة تدفعها على الابتكار. وفقًا لتقرير ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن البنك الدولي، والذي يوفر مؤشرات لـ(190) اقتصادا، تصنف بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على أنها منخفضة من ناحية سهولة البدء بعمل تجاري (على سبيل المثال، في عام 2019 احتلت مصر المرتبة 109، والمملكة العربية السعودية 141، والعراق 155).

    إن الحواجز التي تحول دون اعتماد التكنولوجيا هي السبيل المؤدي لفخ الدخل المتوسط أو سقف النمو، حيث أن الافتقار الواسع للمنافسة في عديد من البلدان الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبالتالي البطء في اعتماد التكنولوجيا يمكن أن يساعد في تفسير السبب وراء توقف كثير من الاقتصادات عند نمو منخفض. تلعب الحكومات دورًا رئيسيًا في تنظيم الدخل في القطاعات الرئيسية "الأولية"، لكن الأبحاث التي تدرس ديناميكية الشركات لا تلقي الضوء إلا على جزء من المشكلة، حيث أن عدم اعتماد التكنولوجيا للأغراض العامة بشكل كبير قد يؤدي إلى إجبار الشركات على ممارسة أنشطة منخفضة الإنتاجية، مما يؤدي إلى الحد من نموها التجاري والاقتصادي. إن المزيد من البحث حول التفاعل بين أسباب وعواقب عدم وجود اعتماد التكنولوجيا للأغراض العامة (GPT) الناجم عن الحكومة من شأنه أن يسلط الضوء على العوامل الأساسية التي أعاقت مكاسب الإنتاجية والنمو.

التوقف عن سياسة (العمل كالمعتاد)

يقترح الباحث (Arezki) وآخرون (2018)، أن ينفصل صناع السياسة عن مبدأ "العمل كالمعتاد" في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأن يتبنوا نهج "إطلاق القمر" لاعتماد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ستسعى بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لأن تتساوى أو تكون أفضل من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في مستوى وصولها إلى الإنترنت، وعرض النطاق الترددي، وعدد المعاملات المالية التي تتم إلكترونياً، هذا من شأنه إطلاق العنان لإمكانات الشباب المتعلم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -التي تعاني من مستويات مرتفعة من البطالة- وتحفيز النمو.