إن المتتبع لتطبيقات تكنولوجيا المعلومات في مجالات الحياة المختلفة يلاحظ مدى الإنتشار الواسع لها وبشكل متسارع، نظرا لما لعبته في الماضي وتلعبه الآن في تغيير وتيرة العمل وشكله وطريقته، بحيث أصبح العمل في ظل تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي والربوتات أكثر مرونة وفاعلية من ذي قبل، بالإضافة إلى المستجدات الأخيرة والمتمثلة في ظهور فيروس كورونا وما فرضه من حجر منزلي على الجميع مما جعل من تكنولوجيا المعلومات البديل الوحيد للعمل عن بعد كالتعليم والصحة وغيرها.

ونظرا لما تعرفه الطبيعة من تغيرات مناخية أثرت على المحاصيل الزراعية، وازدياد عدد سكان الكرة الأرضية، أصبح تحدي الحكومات والدول هو توفير الغذاء لكن بطريقة مستحدثة تلغي المشاكل المطروحة على الأرض، وتعد الزراعة الذكية من بين السبل التي يمكنها تحقيق ذلك.

مفهوم الزراعة الذكيّة: الزراعة الذكيّة نظام حديث أساسه اعتماد التكنولوجيا المتقدمة في زراعة الأغذية بطرق مختلفة عن تلك التي عهدها الإنسان في الزراعة التقليدية ، كما أنها تساهم في اقتصاد وترشيد استخدام الموارد الطبيعية لا سيما المياه، ومن أبرز سماتها اعتمادها على نظم إدارة وتحليل المعلومات لإتخاذ أفضل قرارات الإنتاج الممكنة، بأقل التكاليف، وكذلك أتمتة العمليات الزراعيّة كالري، ومكافحة الآفات، ومراقبة التربة، ومراقبة المحاصيل.

أسباب التي تجعل من الزراعة الذكية ضرورة في الوقت الراهن: تزايد عدد سكان العالم عما كان عليه سابقا، ومع هذه الزيادة الكبيرة والمتوقعة في عدد السكان، تزداد المخاوف تجاه توفير الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي لسكان الأرض، والحفاظ على الأراضي الصالحة للزراعة، خصوصًا مع تفاقم مشاكل تغير المناخ، ونضوب الموارد النفطية، وتلوث المياه والتربة، ولمواكبة هذه الزيادة المضطردة يتوجب على المزارعين:

  • زيادة إنتاج الغذاء مع الحفاظ على البيئة.
  • استخدام الموارد الطبيعية بشكل رشيد.
  • عدم قدرة الأساليب الزراعة التقليدية على مجابهة الظروف المناخية .
أهم مظاهر الثورة الصناعية الرابعة في مجال الزراعة الذكية

1_ المزارع الروبوتية: تعتبر" شركة آيرون أوكس" الأمريكية أول نموذج لمزرعة تقوم فيها الروبوتات بدور المزارعين عوضًا عن البشر، من خلال القيام بالعديد من المهام بدلا من الإنسان، وعرضت الشركة منتجات زراعية أنتجها الروبوت المزارع “أنجوس” المسئول عن أهم العمليات في هذه المزرعة؛ ويستخدم هذا الروبوت ذراعًا بارعة تدخل في أحواض مائية كبيرة مزروعة بشتى أنواع النباتات القابلة للأكل، ويتعرف برنامج تعلم الآلة الذي يشغل الروبوت على النباتات التي تظهر عليها علامات الآفات أو الأمراض ويزيلها قبل أن تنتشر في الحوض كله.

2_ الزراعة الذكيّة وإنترنت الأشياء:

تعتبر تكنولوجيا “إنترنت الأشياء” (IoT) من أهم التقنيات المستخدمة في الزراعة الذكيّة، وتتم من خلال ربط جهاز بجهاز آخر عبر الإنترنت، وكافة الأجهزة الذكية من هواتف المحمولة و أجهزة منزلية بالإضافة إلى الآلات المستخدمة في الحقول الزراعيّة، بحيث يمكن تشغيلها والتحكم بها وإرسال واستقبال البيانات منها عن طريق الإنترنت.

ومن تطبيقات إنترنت الأشياء في الزراعة الذكيّة نجد:
  • الزراعة الدقيقة: ويقصد بها التحكم في المحاصيل من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأجهزة الاستشعار وأنظمة التحكم عن بعد، والآلات ذاتية التشغيل، بهدف الحصول على بيانات دقيقة، واستثمار هذه البيانات في توجيه الزراعة توجيهًا دقيقًا نحو إنتاج أكبر بتكلفة أقل، وإنتاج محاصيل ذات جودة عالية؛ على سبيل المثال تتيح أجهزة الاستشعار عن بعد الموضوعة في الحقول للمزارعين الحصول على خرائط تفصيلية لكل من التضاريس والموارد في المنطقة، فضلًا عن قياس المتغيرات مثل الحموضة ودرجة حرارة التربة، والرطوبة، كما يمكنها أيضًا التنبؤ بأنماط الطقس لأيام وأسابيع قادمة؛ تساعد الزراعة الدقيقة المعتمدة على إنترنت الأشياء على اتخاذ القرارات الأفضل لتحسين الإنتاج الزراعي، إضافة لذلك تلعب البيانات التي يتم جمعها وتحليلها، دورًا كبيرًا في رصد الآفات الزراعية، وتحديد كمية المبيدات المطلوبة بدقة تجنبًا للاستخدام المفرط في استعمالها، وكذلك تساعد عمليات جمع وتحليل البيانات في الاستخدام الرشيد لمياه الري.
  • استخدام الطائرات المسيّرة بدون طيار: وذلك لرصد المحاصيل وتقييمها، وتصوير الأراضي الزراعية ورسم الخرائط، وقياس مكونات الهواء، إضافة إلى رش المحاصيل بالمبيدات بشكل سريع وآمن، وإرسال البيانات بشكل فوري إلى برمجيات تقوم بتحليلها وتوجيه المزارعين إلى تنفيذ الإجراءات الأفضل.
  • الزراعة الرأسية والمحاصيل الصاعدة: إذ سيؤدي إدخال الزراعة الرأسية والتطورات الحديثة التي ستطرأ على تقنية استخدام الإضاءة الصناعية في الزراعة (إضاءة الليد)، إلى توسيع نطاق المحاصيل التي يمكن زراعتها باتباع الزراعة المائية والنظام الغذائي المائي والأنظمة البيئية الأخرى الخاضعة للمراقبة، وستنمو زراعة الخضروات الورقية والخضروات الأخرى والفاكهة على نطاق واسع بتطبيق تلك التكنولوجيا
  • التقنية ثلاثية الأبعاد: وستنتج هذه التقنية أجساماً معقدة من المواد الغذائية اليومية عالية بقيمتها الغذائية، ومن شأن هذه التقنية إنتاج المزيد من الأغذية حسب الطلب والحد من إهدار الطعام.
  • الطعام المطبوع: إذ ستتمكن أجهزة الاستشعار النانوية التي سوف يتم استخدامها مستقبلاً على نطاق واسع من جمع مجموعة كبيرة من المعلومات، مثل بيانات التربة ومستويات الرطوبة.

وتحقق تقنيات إنترنت الأشياء فائدة كبرى لأصحاب البيوت الزجاجية، عن طريق مراقبة درجة الحرارة ومستويات الضوء والرطوبة والضغط الجوي، واستهلاك المياه داخل البيت الزجاجي من خلال بوابة إلكترونية، تتيح للمزارعين استلام إشعارات عند حدوث أي تغيير في هذه المعلومات، كما يمكن التحكم عن بعد بأجهزة رفع أو خفض درجة الحرارة، والتحكم بمستوى الإضاءة وفتح وإغلاق النوافذ عن طريق الإنترنت.

نماذج لأهم مدن الزراعات الذكية في العالم
اليابـــان: 

كتحدٍ يقوم به اليابانيون في فوكوشيما، مدينة الكارثة النووية الأخيرة، قرروا أن يجعلوها مكانًا لنواة مشروع الزراعة الرأسية في البلاد، كإثبات أن هذه الزراعة، التي لا تحتاج إلى الشمس ولا التربة، يمكن لها أن تتغلب على مشكلة انعدام المكان، أو ظروف خطورته، شركة فوجيتسو اليابانية، والتي تقوم بصنع رقائق أشباه الموصلات للحواسيب، قررت استغلال قبو لم يعد مستخدمًا لديها، بطريقة مختلفة.

قبو الرقائق تحول إلى مزرعة خضراء صغيرة داخل مقر الشركة، يزرع فيه الخس، والذي اختارت الشركة أن تجعله مميزًا بانخفاض مستوى البوتاسيوم فيه، ليصبح مناسبًا لمرضى الكلى، الذين لا تحتمل أجسادهم مستوى عالٍ من المعادن؛ وإذا أردت أن ترى هذه المزرعة الصغيرة الفريدة، ما عليك إلا أن تخلع حذاءك على العتبة، و تضع غطاء الرأس على شعرك، ثم هناك حمّام الهواء المعقم الذي عليك أن تمر به، وتندهش بطبقات الخس الأخضر أمام عينيك، اسم المشروع هو "كيراي ياساي"، وهو يعني "الخضار النظيف"، حيث تقوم الشركة بزرع الخضار في غرفتها النظيفة التي كانت مخصصة للرقائق الإلكترونية قبلًا، حيث الغبار والبكتيريا أقل من الخارج، وحيث لا يوجد طين على الإطلاق، إذ أن النبات يعتمد على سائل مغذي ينساب إليه من المضخات، ليجري من طبقة إلى طبقة، لا تملك أمام المنظر المدهش إلا أن تتساءل، كم من الخس هنا؟ لتتفاجأ أنك أمام خمسين ألف رأس من الخس في هذا المكان الصغير.

الولايات المتحدة:

آيرو فارمز: أكبر مزرعة عمودية في العالم بأسره: في مصنع سابق للحديد الصلب في نيوآرك نيوجيرسي، يقوم الآن أكبر مشروع زراعة رأسية في العالم، على مساحة تبلغ 69 ألف قدم مربع، ويتطلع القائمون على هذا المشروع أن ينشروا إنتاجهم الصحي عالي الجودة إلى جميع الأسواق المحلية، وبينما تعتمد مثل هذه المشاريع على طريقة التغذية المائية للاستغناء عن التربة، يعتمد هذا المشروع طريقة مختلفة تسمى "آيروبونيكس". الطريقة الجديدة تتشابه مع التغذية المائية في الإعتماد على البذر وإنماء المحصول في الأقمشة، واستخدام أضواء الليد بديلًا عن الشمس لأجل عملية التمثيل الضوئي، حيث يتم تخصيص الطول الموجي لهذا الضوء ليحقق أقصى استفادة من عملية التمثيل الضوئي، مع أقل استهلاك للطاقة، لكن الإختلاف الجوهري، هو في اعتماد التغذية المائية على المحلول المغذي الذي يسري للطبقات المزروعة، أما التغذية الهوائية، فهي تعتمد على نشر التغذية عن طريق الغبار، وهي الطريقة التي تقول الشركة أنها تسرع دورة حياة النبات، كما أنها تحمل كتلة حيوية أفضل من الطرائق الأخرى. 

المشروع يقدم ما هو أكثر من المميزات المعتادة للزراعة العمودية، فبالإضافة لسرعة الحصول على المحصول، والقدرة على زراعته طوال السنة، والحد من استخدام المبيدات، وعدم اضطرارك لغسل الخضار الذي لا يلمس التراب أو الملوثات، وتقليل الماء والطاقة الضائعين، هناك ما هو أكثر، فهذا المشروع يقدم أقصى استفادة من المساحة رأسيًا، إذ إن القدم المربع الواحد يقدم لك 75 ضعفًا لما تقدمه الزراعة التقليدية، كما تستخدم مياهًا أقل بنسبة 95%، ويقدر ما تستطيع إنتاجه في السنة باثنين مليون باوند من الخضار الورقية كل سنة، إن هذا لا يصدق!

لندن:

أنفاق المدينة المنسية تحت الأرض تتحول إلى الأخضر: الفكرة خطرت ببال رجل الأعمال ريتشارد بالارد، مع ستيفن درينج، فكرا لماذا لا تستغل كل هذه الأنفاق، بقايا الحرب العالمية الثانية المنسية تحت أرض لندن؟ ومن هنا بدأ مشروع أكبر مزرعة تحت الأرض في العالم حتى الآن. المشروع متخصص في بيع الأعشاب وخضروات السلطة، ويقع أسفل شوارع لندن بثلاثة وثلاثين مترًا، على بعد أقل من ميلين اثنين من مركز المدينة، وهو يعد الجمهور بألا تستغرق رحلة وصول الطعام الأخضر الطازج من المزرعة إلى الطاولة، أكثر من أربع ساعات فقط! 

المشروع يعتمد على مصادر طاقة خضراء، ويستخدم مياهًا أقل من الزراعة التقليدية بحوالي 70%، ويأمل بالارد ودرينج أن ينتجا المحاصيل بـ "صفر تأثير" على البيئة، ويخططان لإنتاج مجموعة متنوعة من المحاصيل مثل البازلاء، والأنواع المختلفة من الفجل، الخردل، الكزبرة، الكرفس، والبقدونس، وهم يضعون في خطتهم توسيع الفكرة في الأنفاق المجاورة مستقبلًا.

كوريا:

مزرعة رأسية في الطابق الأعلى، وفصل دراسي بالأسفل: يخطط مهندسو ومصممو المزرعة العمودية في سيول، أن يجعلوها من ثلاثة طوابق، حيث تزرع الخضار والمحاصيل في الطابقين الثاني والثالث، بينما يخصص الطابق الأول كفصل دراسي لتعليم الزراعة، المزارع الرأسية سوف تتحكم بها أجهزة الكمبيوتر، لتوفير دقة متناهية في تخصيص الضوء المناسب، وكذلك لضبط ظروف الحرارة والرطوبة، ومراقبة مستوى ثاني أكسيد الكربون، وقد اختيرت منطقة غرب يانغ تشون لتكون مقر هذه المزرعة الأولى من نوعها في كوريا. 

سنغافورة:

باناسونيك: من تصدير الشاشات إلى الخضروات: سنغافورة، كانت أفضل اختيار لشركة باناسونيك التي قررت أن تستثمر في مجال الزراعة العمودية، فهذا البلد يعد إحدى الدول ذات الإكتفاء الذاتي الغذائي المنخفض، كما أنها تشتكي أيضًا من قلة الأراضي المتاحة للزراعة في البلاد، وتعد إحدى الدول الأعلى كثافة في العالم، بل إن الوضع وصل في التدهور إلى درجة أن سنغافورة تستورد أكثر من 90% من احتياجاتها الغذائية. هذا جعل الدولة تسمح بمشاريع الزراعة الرأسية فيها وتمول أبحاثها، مثل مشروع "سكاي جرينز" التابع لشركة باناسونيك، والمكون من ثلاثة طوابق عالية؛ المشروع الذي خطط له أن يطعم السنغافوريين، ويشارك في حل أزمة الأرض والغذاء، بدأ إنتاجه بنجاح بالفعل، بل وإنه بدأ بالتصدير لبعض سلاسل المطاعم اليابانية، ليكون أول مشروع مزرعة رأسية في سنغافورة. 

تقع مزرعة شركة باناسونيك، والممتدة على مساحة 248 مترًا مربعًا في مصنع على مشارف المدينة، والذي يضاء بأضواء الليد الوردية ذات الطول الموجي المعين، وتحد الشركة من الزوار لمراقبة مستويات الحرارة والرطوبة وثاني أكسيد الكربون بدقة، وتمكنت الشركة من زيادة أنواع المحاصيل التي تزرعها إلى 30 نوعًا في عام 2017، وتقول إنها تأمل أن تكلف المحاصيل التي تنتجها نصف ثمن تلك المستوردة من اليابان.

الزراعة الذكيّة على المستوى العربي

 تعتبر المنطقة العربية من المناطق التي تواجه أزمات بيئية كبيرة، مثل نقص المياه الصالحة للزراعة، وتغير المناخ، والجفاف، والتصحر، الأمر الذي يؤثر سلبًا على توفير الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي. لذلك يمكن القول أن المنطقة العربية هي من أكثر المناطق حاجة لتطبيق تقنيات الزراعة الذكيّة، إلا أن هناك صعوبات تعترض ذلك أهمها:

  • ضعف البنى التحتية للاتصالات والإنترنت في بعض الدول العربية.
  • وحاجة هذه التقنيات إلى مهارات لا يمتلكها الكثير من المزارعين.
  • التكلفة المادية التي تشكل عائقًا للكثيرين. 

لذلك فإن تبني سياسات الزراعة الذكيّة يتطلب تعزيز العمل العربي المشترك، وتبادل المعرفة والأفكار حول تكنولوجيا إنترنت الأشياء، وإدراج تكنولوجيا الاتصال والمعلومات كعامل أساسي للتنمية الزراعة المستدامة.

ونذكر هنا تجربة المنتدى الإقليمي الأوّل للزراعة الذكيّة، الذي عقد في العاصمة السودانية الخرطوم تحت شعار “نحو تنمية زراعية مستدامة من خلال إنترنت الأشياء والاتجاهات التكنولوجية الجديدة”، ويمكن اعتبار هذا المنتدى أول محاولة نحو تبني سياسات الزراعة الذكيّة وتبادل الخبرات على المستويين العربي والإفريقي في هذا المجال وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مجال الزراعة الذكيّة لتنسيق الجهود والتوصل إلى حلول مستدامة لمستقبل القطاع الزراعي.

 

الإمارات العربية المتحدة..أبو ظبي نموذج عربي في الزراعة الذكية

تعد الإمارات أول دولة في المنطقة العربية تتجه إلى الزراعة الذكية لتعزيز جهود تحقيق الأمن الغذائي، وقد تم إنشاء مركز متخصص للزراعات المحمية، وذلك في إطار الجهود الحكومية الرامية إلى تطوير القطاع الزراعي وتحويله إلى قطاع اقتصادي من جهة وتحفيز، الاستثمار في القطاع الزراعي من جهة أخرى.

شهدت أبوظبي، تجربة زراعية نوعية باستخدام تقنية الانبعاث الضوئي، والتي تعتمد على أسلوب الزراعة الرأسية من دون تربة أو استخدام مبيدات زراعية، وتختصر الفترة الزمنية لجني المحصول بنسبة كبيرة، إلى جانب نوعيته العالية، من دون أي تغيير في خصائصه الغذائية، وفي الوقت ذاته تعد هذه التقنية صديقة للبيئة لحجم التوفير في الطاقة المستخدمة وإعادة تدوير حتى الكمية القليلة من المياه.

وتعمل الدولة على نقل التكنولوجيا العالمية وتدريب المنتجين المحليين وبناء قدرات الكوادر على استخدام التقنيات الحديثة للوصول إلى أعلى معدلات الإنتاج، علاوة على ترشيد استهلاك المياه في إمارة أبوظبي، والهدف من هذا كله هو إدخال مفهوم الزراعة المحمية كثيفة الإنتاج وعالية الكفاءة إلى نظام الزراعة التقليدي الحالي، الأمر الذي سيساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال زيادة الإنتاج من الخضار، بما يوازي الاستهلاك المحلي في الوقت الراهن، والتصدير مستقبلاً.

يعد مشروع " إنشاء المركز" أحد أفضل البدائل لترشيد استهلاك المياه في ظل ارتفاع معدل الفاقد منها، علاوة على إمكانية الوصول من خلال المشروع إلى إنتاج زراعي عالي الكفاءة بمعدل يصل إلى عشرة أضعاف ما يتم إنتاجه باستخدام الطرق التقليدية.

استراتيجية اتحادية للأمن الغذائي:

تتضمن الاستراتيجية الاتحادية للأمن الغذائي المقدمة من وزارة الاقتصاد إلى مجلس الوزراء توفير مخزون استراتيجي يكفي لتغطية احتياجات البلاد من 15 سلعة غذائية رئيسية لمدة تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر، وتوجيه بعض الاستثمارات الحكومية لقطاع الزراعة في عدد من البلدان مثل السودان وكمبوديا وأذربيجان ودول أخرى، بهدف توفير المواد الغذائية والمحافظة على استقرار السوق.

ويعد مشروع الإنذار المبكر جزءا من خطة استراتيجية الأمن الغذائي، وقد تم إعداده وفق معايير قادرة على التنبؤ بما يحدث في السلع الغذائية والأزمات المتوقعة. 

مركز الأمن الغذائي:

أُسس في العاصمة مركز الأمن الغذائي – أبوظبي عام 2010 بقرار من المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي بحيث يشرف على وضع السياسات والتشريعات الخاصة بالأمن الغذائي في الإمارة، ويطبق استراتيجياتها الخاصة بهذا المجال، كما يساهم في دعم الزيادة في الإنتاج المحلي الزراعي والثروة الحيوانية والثروة السمكية.

خطوة التنوع من خلال اعتماد الزراعة الذكية في أبو ظبي:

وعن أهمية التنوع الغذائي، يتحدث المهندس محمد الظنحاني، مدير إدارة التنمية والصحة الزراعية في وزارة التغير المناخي والبيئة، بأن الوزارة تولي الأبحاث الزراعية أهمية خاصة لما لها من دور فعال في تحقيق التنوع الغذائي والاستدامة البيئية وتوافقها مع رؤية الإمارات 2021، ولأهمية الأبحاث الزراعية، فقد أدرجت الوزارة ضمن هيكلها التنظيمي 2017 هدفاً خاصاً بالأبحاث بمسمى «تطوير وتطبيق استراتيجية لإدارة الأبحاث الزراعية ووضع خطة عمل مرحلية للتجارب والأبحاث التي ستجرى بالوزارة»، وتحقيقاً لذلك، فقد تضمنت الخطة التشغيلية للوزارة 2017-2021 خطة للأبحاث الزراعية ضمن مبادرة تسمى دعم الممارسات المبتكرة بالمجالات الزراعية والحيوانية والخضراوات والفواكه والتمور والمحاصيل الحقلية والمنتجات الحيوانية وغيرها من الممارسات.

وقال الظنحاني: " إن التقنيات الزراعية التي تتبناها الوزارة هي نظم الزراعة المغلقة و العمودية وهي نظم إنتاج محاصيل تعتمد على استخدام تكنولوجيا متطورة، بحيث تكون كافة الممارسات الزراعية مؤتمتة من حيث الري والإضاءة وعمليات التسميد والحصاد بما يساهم في تحقيق الإستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والطاقة، ومدخلات الإنتاج وإنتاج محاصيل طازجة ذات جودة وإنتاجية عالية وعلى مدار السنة، ولا تؤثر على صحة الإنسان أو البيئة".

وأشار الظنحاني إلى أن الوزارة تعكف على تقنية حديثة تهدف للمساهمة في المحافظة على موارد المياه المستخدمة في الزراعة ورفع الإنتاجية للوحدة المستخدمة من المياه وخفض كميات الأسمدة المستخدمة والحصول على منتج يحافظ على صحة الإنسان والبيئة، ويتم إدخال تقنية الزراعة المائية (بدون تربة) ضمن المنظومة الزراعية كأسلوب حديث للزراعة، حيث قامت الوزارة بنقلها إلى المزارعين في الدولة وتشجيعهم على استخدامها للمساهمة في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة في المحافظة على الموارد الطبيعية والبيئية.

عصب استدامة الغذاء:

إن برنامج تسريع تبني التكنولوجيا الزراعية الحديثة والذي تم إعلانه في يناير 2019 يضع مبادرات استراتيجية تركز على تطوير الأمن الغذائي وإيجاد الحلول المبتكرة للتحديات التي تواجهها من خلال مبادرة تبني التكنولوجيا الحديثة لأنظمة الزراعة المغلقة، التي تتميز باستدامتها واعتمادها المحدود على المياه، وتقليل التكاليف التشغيلية والإنشائية الزراعية، والإسهام في دعم القطاع بأنظمة تمويل مستدامة، وتوفير المعلومات والبيانات الضرورية لتطوير برامج ودراسات تشجع رواد الأعمال على الاستثمار في هذا القطاع الناشئ.

وأكد محمد الفلاسي، رئيس مجموعة الاستثمار في شركة جنان للاستثمار " أن التكنولوجيا الزراعية أصبحت اليوم أبجدية الشركات الباحثة عن استثمار منتعش وغذاء مستدام"

 مبادرة محمد بن زايد لدعم تطوير المجالات الحيوية فرصة ذهبية

أكد الدكتور عماد سعد، استشاري الاستدامة والمسؤولية المجتمعية، أن مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، باعتماد 5,6 مليارات درهم لدعم البحث والتطوير في المجالات الحيوية للسنوات الخمس المقبلة، نافذة أمل وفرصة ذهبية لإيجاد منصة وطنية للبحث العلمي، حيث وجه سموه لإقامة شراكات عالمية تعزز مكانة أبوظبي في سعيها لإيجاد حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه العالم، خاصة فيما يتعلق بندرة المياه والأمن الغذائي وكفاءة الطاقة وغيرها.

وأكد على أهمية هذه المبادرة في بُعدها الدولي التي أتت في الوقت الذي شهد فيه العالم في الآونة الأخيرة تدهوراً في الأمن الغذائي، إذ يعاني ما يفوق 950 مليون فرد من الجوع حول العالم، وما زاد الأمر صعوبة هو عدم القدرة على رفع مستوى الاستغلال للأراضي وتحديات التغير المناخي بالإضافة إلى ندرة المياه، وأضاف إن هذه المبادرة سوف تساهم في بعدها الوطني على جذب واحتضان أفضل الممارسات والابتكارات العلمية حول العالم كي تصبح أبوظبي علامة فارقة تسعى لإيجاد حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه العالم. 

نجاح مميز للتجارب الأولية لزراعة الأرز في الإمارات

يأتي ذلك ضمن الأهداف الاستراتيجية للوزارة لتعزيز التنوع الغذائي وضمان استدامته واستدامة النظم البيئية، وبما يحقق استدامة سلاسل إمداد الغذاء وتشجيع الأبحاث الابتكارية، وتعدّ تجارب زراعة الأزر الإماراتية الكورية في بيئة صحراوية الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط.

وتأتي هذه التجارب كجزء من مذكرة التفاهم التي تم توقيعها في فبراير 2019 بين وزارة التغيُّر المناخي والبيئة ووزارة الزراعة والأغذية والشؤون الريفية الكورية. وشملت مذكرة التفاهم التعاون بين الجانبين في مجموعة من المجالات البحثية والتطبيقية منها توظيف التكنولوجيا الذكية ونظم الزراعة المغلقة والعمودية وخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، ومجال رعاية صحة الحيوان، وزراعة النخيل ومكافحة الآفات الزراعية، إضافة إلى زراعة الأرز.

وفي جوان 2019، تم خلال الاجتماع الثاني للجنة التعاون الإماراتية الكورية الاتفاق على الإطار العام لبدء العمل على الدراسة التجريبية لاختيار أصناف أرز تتحمل البيئة الصحراوية، وقادرة على التكيّف والتعايش مع أجواء الإمارات، وتطوير طريقة زراعتها.

واختارت الوزارة بالتعاون مع الجانب الكوري مركز الابتكار الزراعي التابع لها في "الذيد"، لتجربة زراعة الأرز في الإمارات، وفي نوفمبر 2019 بدأت تجارب الزراعة الأولية على مساحة 2200 متر مربع للزراعة بنظام الحقل المفتوح، وتم ريها بنظام التنقيط تحت السطحي الذي يضمن زيادة كفاءة استخدام المياه كمرحلة أولى للتجربة.

وقبل تنفيذ التجربة تم إجراء العديد من الاختبارات لتربة ومياه الري للمنطقة المختارة للزراعة لتحديد طبيعتها واحتياجاتها وكذلك دراسة العوامل المناخية المختلفة لضمان نجاح التجربة الزراعية، كما تم اختيار صنفين من الأرز للزراعة وهما “جابونيكا، إنديكا” اللذان أثبتا قدرة على تحمل درجات الحرارة العالية، والتعايش مع ظروف التربة المحلية، واستمرت هذه المرحلة التجريبية الأولى حتى ماي2020.

ولضمان نجاح التجربة، تم وضع نظام مراقبة وتقييم لعملية النمو والذي ركّز على تقييم نسبة الإنبات ومعدل النمو والتحديات التي قد تواجه التجربة ووضع الحلول الابتكارية لها، وأظهرت عملية المراقبة والتقييم لعملية الزراعة في محطة أبحاث "الذيد " نجاح انبات ونمو شتلات الأرز المزروعة خلال الأيام الـ 7 إلى الـ 10 الأولى للزراعة بنسبة 100%، ومع ارتفاع درجات الرطوبة انخفض معدل النمو بشكل طفيف ليعاود النمو في الارتفاع بشكل تدريجي مرة أخرى؛ كما ظهرت خلال عملية الزراعة مجموعة من التحديات التي تم التغلب عليها، ومنها ارتفاع درجات حموضة التربة وملوحة المياه وانخفاض النمو في المناطق التي تقل فيها معدلات مياه الري، وتم التعامل مع هذه التحديات عبر استخدام بعض المواد العازلة الطبيعية وتركيب نظام لمعالجة نسب ملوحة المياه.

وتم تقسيم المساحة المخصصة للزراعة التجريبية إلى ثلاث مناطق لتسهيل عملية المراقبة الدقيقة، وفي المنطقة الأولى نجحت عملية الزراعة بشكل كامل وتم حصاد الأرز في 5 ماي الماضي، وفي المنطقة الثانية احتاجت عملية الزراعة إلى مراقبة وتدخل مكثفة نظراً لطبيعة المياه الموجودة فيها، وتمت الزراعة بنجاح، وفي 10 ماي الماضي حصد فريق العمل الأرز من المنطقة. وأظهرت نتائج الحصاد الأولية نتائج مميزة من حيث النمو وانتاجية المحصول ويجري حالياً بالتعاون مع الجانب الكوري تحليل ودراسة بيانات الزراعة والحصاد والموارد المستخدمة بالكامل.

وتعدّ أصناف الأرز التي تم اختيارها لتجربة الزراعة في الإمارات مناسبة للاستهلاك ويتم تداولها بشكل تجاري في العديد من الأسواق، لكن الوزارة ضمن حرصها على الصحة والسلامة العامة، وتأكيداً على جودة وكفاءة محصول عمليات الزراعة التجريبية وصلاحيته للاستهلاك يجري حالياً فحص عينات الأرز لاختبار مطابقتها للمواصفات القياسية، وبناء على النتائج الإيجابية لعمليات الزراعة التجريبية للأرز في الإمارات وخصوصا تجربة “محطة الابتكار الزراعي في الذيد” سيتم دراسة إطلاق مراحل تجريبية جديدة على مساحات أوسع، في مناطق مختلفة على مستوى الإمارات، مع تطوير نظم الري والتسميد المستخدمة، وتجريب أصناف جديدة من الأرز ضماناً للوصول إلى أفضل نتائج تجريب.

 ستشهد الزراعة الذكيّة نموًا متزايدًا في السنوات القادمة، شأنها شأن كل التقنيات الذكيّة العصرية التي تسعى لتنمية ورفاه المجتمع، وتأمين احتياجاته الأساسية، كما أن انتشار التقنيات الحديثة ووصولها إلى مختلف الفئات، وسهولة استخدامها من قبل نسبة كبيرة من جيل الثورة المعلوماتية، سيساهم بشكل كبير في تبنّي ممارسات الزراعة الذكيّة وبالتالي سد الفجوة الغذائية الناتجة عن زيادة عدد السكان وشح الموارد؛ ويجمع العالم على أن الأبحاث الزراعية خطوة الألف ميل نحو الأمن الغذائي، منه ينطلق كل شيء، وإليه تؤول النتائج وعليه تبنى المشاريع والتقنيات، فالبحث العلمي اللبنة الأولى لديمومة الأمن الغذائي، والجذوة الأولى التي تلهب الأفكار المبدعة والتقنيات الحيوية التي تسهم بدورها في دعم تكنولوجيا الغذاء.