تميل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى النضال أيديولوجيًا ضد النفوذ الغربي، خاصة عندما يأتي من الولايات المتحدة، لذلك فإن سياسة الصين هي عدم التدخل في شؤون المنطقة، فهي تقوم فقط بتمويل مشاريع التنمية. يضاف إلى ذلك أن عديدا من البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لديها موارد محلية ويمكنها الاستفادة من تمويل الصين لخلق تأثيرات مركبة، على سبيل المثال، أنشأ عدد متزايد من البلدان صناديق استثمار ثنائية مع الصين لتمويل المشاريع المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق، أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة صندوق استثمار استراتيجي مشترك بقيمة 10 مليار دولار بين مجموعة أبوظبي للاستثمار مع بنك التنمية الصيني، وإدارة الدولة الصينية للنقد الأجنبي، وأيضا يهدف بنك آسيا للبنية التحتية والاستثمار الذي تم إنشاؤه حديثًا إلى تسريع حجم التجارة الثنائية وزيادة مخزون الاستثمار غير المالي.

تزايد انتشار الإنترنت والبرامج الحكومية

 مع تجاوز إجمالي انتشار الإنترنت ما يعادل (60٪) في الشرق الأوسط، وهو ما يمثل أكثر من 150 مليون مستخدم، بدأ أصحاب رأس المال الاستثماري الصيني (VC) ومستثمرو "العائد الأعلى" في التوجه نحو المنطقة، على عكس بعض الأجزاء المركزية الأخرى من مناطق الحزام والطريق مثل جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية، حيث تتمتع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ببنية تحتية رقمية ومادية مستقرة نسبيًا، فحين بدأ سوق جنوب شرق آسيا في التشبع، تحول انتباه عدد من شركات رأس المال الاستثماري الصيني إلى الشرق الأوسط، ولقد استهدفوا إسرائيل بالفعل، حيث استثمروا أكثر من 325 مليون دولار في عام 2018. وينتشر المستثمرون الصينيون الآن في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، وبشكل مبدئي في شمال إفريقيا. 

إنهم مهتمون بالتجارة الإلكترونية والترفيه والتكنولوجيا والخدمات اللوجستية والتكنولوجيا المالية. 

وفي الوقت ذاته، قد تجد الشركات الصينية لها موضع قدم في أنحاء المنطقة، نظرًا للمبادرات الحكومية مثل مشروع دبي الذكية 2021، وبرنامج التحول الوطني السعودي لعام 2030، ومدينة محمد السادس في طنجة المغربية، ومنطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر. 

يعد إنترنت الأشياء وسلسلة الكتل (البلوكتشين) من المبادئ الأساسية لدبي الذكية 2021، وهما المجالان اللذان يقودهما التقنيون الصينيون حاليًا، علاوة على ذلك وبالنظر إلى الظروف في الداخل، فإن الشركات الصينية أكثر راحة من نظيراتها الغربية في التوسع نحو مناطق تقود الحكومات النمو فيها بدلا من القطاع الخاص.

حتى قبل شراء أمازون لموقع (سوق)، وهو أكبر موقع للتجارة الإلكترونية في العالم العربي، كان عمالقة التجارة الإلكترونية الصينيون قد بدؤوا بالفعل بأخذ المنطقة بنظر اعتبارهم، تعهدت "علي بابا" ببناء "مدينة تقنية" بالتعاون مع شركة دبي ميراس القابضة للتطوير العقاري، والتي ستضم أكثر من 3000 شركة ذات تقنية عالية بالقرب من ميناء جبل علي في دبي.

 وفقًا للتنبؤات، ستبلغ قيمة سوق التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط (49) مليار دولار بحلول عام 2021، وفي شمال إفريقيا أعلنت شركة (Huawei) للتو عن إنشاء مركز للسحابة الإلكترونية في مصر، وأيضا تمكنت شركة التجارة الإلكترونية الصينية (JollyChic) من أن تصبح واحدة من أكبر مواقع التجارة الإلكترونية في المنطقة -مع التركيز على التجارة الخارجية فقط-.

فيما يبدو أنه من غير المحتمل أن تتمكن الشركات الصينية الأخرى من النجاح في إنشاء مشاريعها التجارية الخاصة، إلا أن المنطقة ترحب بشكل كبير بالمنتجات المستوردة من الصين، وأيضا هناك إمكانية لبناء فرص للشراكة الخارجية في الابتكار والتكنولوجيا بين الصين ودول المنطقة، فعلى سبيل المثال لا يزال الدفع للبضائع "بالكاش عند الوصول" يمثل 76٪ من طلبات التجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مما يؤدي لحصول بعض الاضطرابات.

 السياحة تجلب التكنولوجيا المالية

 بالنظر إلى نمو أعداد السياح الصينيين الذين يزورون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإنه ليس من المستغرب أن السياحة والصناعات المرتبطة بها صالحة أيضًا للتعاون بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وحتى داخل إفريقيا، إن دول شمال إفريقيا هي التي لديها أكبر عدد من السياح الصينيين، مثل المغرب ومصر. بالإضافة إلى نمو الصناعات التقليدية مثل البيع بالتجزئة والاستضافة، فإن زيادة أعداد المسافرين تفتح المجال أمام التكنولوجيا المالية والحجوزات عبر الإنترنت.

 تقدمت شركتا (Alipay) و(WeChat Pay) خطوات كبيرة في مراكز التسوق في المنطقة الموجهة للسياح الصينيين، حيث كانت إسرائيل أول دولة تقبل (Alipay) في المنطقة للسياح والشركات والزائرين الصينيين، عندما وقعت (Israeli Credit Card) شراكة، ومنذ ذلك الحين اغتنمت 

(Dubai based lender Masreq) ومؤسسات مالية أخرى في دبي فرصة للتعاون أيضا مع هذه الشركات الصينية.

 على النقيض من ذلك، فإنه باستثناء دخول شركة (نون) للبيع بالتجزئة على الإنترنت إلى الصين والتي تساعد في ربط أصحاب العلامات التجارية في الصين بعملاء في الشرق الأوسط، فإن التعاون الاقتصادي الرقمي بين دول مجلس التعاون الخليجي وشمال أفريقيا يعود بالنفع على الصين فقط في الغالب. 

في حين أن هناك نموا في رأس المال الاستثماري في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن الاستثمار في الصين يبقى محدودا بالنسبة لهم، حتى المستثمرون الإسرائيليون يكافحون من أجل الاستثمار في الصين، نظراً لنضج الشركات وكبر حجمها هناك.

اهتمامات متنوعة في المنطقة

كما هو متوقع، سيعتمد تعاون القطاع الخاص بين المنطقتين إلى حد كبير على تركيز الاستثمار الحكومي بقدر اعتماده على النمو التكنولوجي في المنطقة. تاريخياً، ركزت تجارة الصين في الشرق الأوسط على منطقة الخليج، حيث تصدرت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تشهد أيضا كل من إيران وإسرائيل ارتفاعا ملحوظا في هذه الاستثمارات بسرعة، كما أن مصر ليست بعيدة.

 بينما تميل دول الاتحاد الأوروبي للهيمنة على التجارة مع شمال إفريقيا، فإن الصين تهتم بشكل متزايد بدول مثل المغرب، ومن العوامل البارزة في اهتمام الصين بشمال إفريقيا هي السعي وراء الهيدروكربونات من الجزائر والسودان وليبيا، بالإضافة إلى خام الحديد الموريتاني والنحاس والزنك والرصاص المغربي، ومع ذلك وعلى الرغم من أن هذه التجارة التقليدية تأتي دائمًا أولاً، إلا أننا نأمل فقط أن يؤدي هذا الاستثمار إلى الازدهار التكنولوجي في المنطقة أيضا. بدأ معظم التعاون التكنولوجي مع الصين في دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل، ولكن هناك أيضا إمكانات عالية للنمو في جميع أنحاء المنطقة، كما تبين ذلك في شمال إفريقيا.

إن مناقشة مشاركة الصين مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أمر صعب بفضل العوامل الإقليمية مثل النفط والصراعات وطرق التجارة الاستراتيجية، في حين أن هناك عديدا من الفرص للقطاع الخاص والاستثمار التكنولوجي، والأخير كان المجال الأكثر حيوية حتى الآن، ومنه فإن توسيع التعاون بين الصين ومجلس التعاون الخليجي لن يكون سهلاً بسبب وجود النفط وتعقيدات التجارة المتعلقة به، حيث تعاني العلاقة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي من مرض هولندي. 

إن الصين تستورد أكثر من ثلث النفط والغاز السائل من دول مجلس التعاون الخليجي، وهي ثاني أكبر سوق تصدير في المنطقة. وفي الواقع، تمتد العلاقات النفطية إلى أبعد من مجرد علاقة التصدير والاستيراد، حيث أن لشركات النفط الوطنية الصينية أيضًا وجودًا واسعًا في المنطقة.

تحتاج البلدان التي ليس لديها نفط مثل مصر والأردن وسوريا، إلى الاعتماد على موارد أخرى لجذب المستثمرين الصينيين، قد يؤدي هذا إلى منافسة أقل للمستثمرين الصينيين ويسمح لهم بالتعاون في مجالات أخرى مثل التكنولوجيا على سبيل المثال.