(تقرؤون نص مداخلة الشيخ حسن قاطرجي من لبنان التي قدمها في ملتقى ميلاد حضارة لنصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم الخميس 26 نوفمبر 2020.) 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، التحية والسلام الأخوي للجميع والشكر لمؤسسة عمران وللقائمين على هذا الملتقى المبارك إن شاء الله تعالى، اللهم أنت المستعان وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وبعد:

الكلام عن الرسول الداعية كلام ممتع للنفس، وكلام عن نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي نفْديه بآبائنا وأمهاتنا وأموالنا وأرواحنا ودماءِنا، صلوات الله وسلامه عليه.

نتحدث بما دعا به النبي عليه الصلاة والسلام الناس؟

ثم بعدها نتحدث عن المنهجيات والأدوات التي استعملها الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي نستطيع من خلالها ومن هذا المنطلق في واقعنا المعاصر، ومع التطبيقات والمعطيات والأدوات الموجودة، فإن ما قدمه النبي عليه الصلاة والسلام هو إضاءات نستفيد منها ونعرف ساحة المباح منها وساحة الحرام.

«توجيه بوصلة الإنسان والبشرية».. لماذا أعطاها صى الله عليه وسلم همه واهتمامه وتفانيه؟

 أما أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت الدعوة شغله الشاغل، أولا لا بد أن نستمع إلى قول الله عز وجل (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا) [سورة الأحزاب الآية: 45]، فالنبي عليه الصلاة والسلام أرسله الله سبحانه وتعالى داعيا إليه، وكانت فعلا الدعوة إلى الله شغله الشاغل، وأعطاها همه واهتمامه وتفانى صلى الله عليه وسلم في تبليغ الدعوة وهداية الناس، والتعريف بالله عز وجل وترسيخ التوحيد، ولذلك كانت رسالته صلى الله عليه وسلم في الدعوة هي توجيه البوصلة، بوصلة الإنسان في حياته وبوصلة البشرية في مسارها، لتتعرف على الله سبحانه وتعالى، وتعرف ماذا يجب عليها أن تقوم به في الحياة.

 وشَواهد صدقه صلى الله عليه وسلم في دعوته غلبت الاهتمام، وتفانيه صلى الله عليه وسلم كان كثيرا.

ولذلك بما أنه علينا أن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك يجب علينا أن نحمل رسالة الدعوة، لأنها كانت همه الأكبر، وقال عليه الصلاة والسلام كما في الحديث الصحيح (إنما بعثت داعيا ورحمة) والله عز وجل أمره فقال قل أي قل يا محمد وبلغ العالمين (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) [سورة يوسف الآية: 108].

فسبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه بما تلاه من القرآن الكريم، وبما فعله عليه الصلاة والسلام وشرحه، وهذا هو البيان في سبيل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.

وبين أن مهمته هي الدعوة إلى الله عز وجل. وكذلك هي مهمة أمته من بعده، مهمة أحبابه وأتباعه صلى الله عليه وسلم، إذن قل هذه سبيلي، هذا ما بينه القرآن وما شرحه الرسول عليه الصلاة والسلام، أدعو إلى الله.

فالدعوة إلى الله هي مهمته وتفانى صلى الله عليه وسلم في تبليغ ما كلفه الله به عز وجل به، حتى في صحيح مسلم لما السيدة المباركة الطاهرة المطهرة عائشة رضي الله عنها زَوجه سئلت من طرف الصحابة (هل صلى رسول الله قاعدا؟) يسألونها سؤالا فقهيا فأجابت عن السؤال وزادت فائدة مهمة جدا تتعلق بالدعوة إلى الله تعالى، وبما كان عليه الصلاة والسلام من التفاني والشغف بالدعوة، فقالت رضي الله عنها "(نعم صلى قاعدا فقد حطمه الناس) أي أن سبب القعود بسبب استهلاك طاقته بعد تفانيه في تبليغ الدعوة، والتواصل مع الناس، وقضاء حوائجهم وخدمتهم.

فالنبي عليه الصلاة والسلام حُطِمَ بسبب انشغاله بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فكان عليه الصلاة والسلام دأبه وشغله وهمته وتفانيه في تبليغ الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وفعلا كما في شعار هذا الملتقى المبارك "مرتكزات للتأسيس الحضاري" الدعوة إلى الله عز وجل تعرف الناس بالله سبحانه تعالى، وتعرفهم بمنهج هذا الدين وهداية الناس إلى عبادة الله، وتوجيه بوصلة البشرية إلى الله وليس كما هو حالنا اليوم، أو في حال الحضارة الموغلة في المادية وفي النزاعات والحروب، فهي في حالة تيه وشرود عن الله سبحانه وتعالى، على عكس ما جاءت به هداية الله عز وجل على يد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

 لذلك كانت دعوة النبي عليه الصلاة والسلام أعظم تأسيس لأعظم حضارة، وهذا ما اعترف به المؤرخون المنصفون الغربيون.

فمن تتبع كتاب زيغريد هونكه "شمس العرب تسطع على الغرب" وكتاب "قصة الحضارة" للمؤرخ الأمريكي ويل ديورانت وكتاب "مدخل إلى تاريخ العلم الكوني" لجورج سارتون هذا الكتاب العظيم الذي يعد صاحبه أعلم الناس في علوم الكون وكتاب "حضارة العرب" الفيلسوف وطبيب الفرنسي غوستاف لوبون، هذه الكتب هي كتب مهمة ومعترف بها على درجة عالية من التقدير من علماء غربيين وشرقيين، واعترف مؤلفوها بأهمية الحضارة الإسلامية وأثرها، ووظيفة الدعوة إلى الله عز وجل التي قام بها أحسن قيام نبينا صلوات الله وسلامه عليه. 

وممكن أخذ الزبدة من هذه الكتب فيما يتعلق بالمسار الحضاري من كتاب الإمام الرباني الداعية العالم الكبير الشيخ أبي الحسن الندوي رحمه الله "الإسلام أثره في الحضارة وفضله على الإنسانية" فالنبي عليه الصلاة والسلام في هذا الجانب يُأتسى به عليه الصلاة والسلام، وعلى الأمة أن تجدد وظيفة الدعوة لأنها الوظيفة التي كلفنا بها الله سبحانه وتعالى (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وخيريتها مرتبطة بالآية الكريمة (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ)[سورة آل عمران الآية: 110].

«في 6 نقلات هائلة».. ماذا حققت دعوة النبي عليه الصلاة والسلام؟ 

لا بد من رصد واقع وموضوع أن دعوة النبي عليه الصلاة والسلام حققت نقلات هائلة بكل ما في الكلمة من معنى ومن أهم هذه النقلات نذكر: 

1.من الخرافة إلى الحقيقة

 وقَفْو العلم من خلال قوله تعالى (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [سورة الإسراء الآية: 36] يعني أن المجتمعات كانت تتخبط في الخرافة والشرقيات والبعد عن العلم، فنقلتها الدعوة الإسلامية إلى قفو العلم وإتباع الحقيقة، وأعظم الحقائق هي توحيد الله سبحانه وتعالى.

2.من عبادة الأوثان إلى توحيد رب العباد

فعِبادة الأوثان فيها استهانة وإذلال للإنْسان، والتوحيد فيه تكريم للإنسان وهو الحرية الحقيقية لأن الإنسان في حال التوحيد يتحرر من من يستعبده (يتحرر من عبودية الطغاة والشهوات والحاجات) وتخلص عبوديته لله عز وجل.

3.من التحقير والامتهان إلى التقدير والإحترام

وهي نقلةٌ هائلة في مجال كرامة الإنسان والمساواة البشرية، حتى عند العبيد والرقيق اختلفت نظرة المسلمين في تحطيم كل الفوارق القبلية والطبقية، فمن يراجع البيئة بمقاييسها الحضارية آنئذ وما كانت تتخبط به البشرية، وليس العرب فحسب، فعلى ما كان فيهم من أخلاق متميزة وما كانت عندهم من تفرق وتخلف وعادات سيئة.

 في العالم كله لما بدأت الدعوة من مكة المكرمة ثم المدينة المنورة وأرست دعائم الدولة الإسلامية، ثم انتشرت الفتوحات في العالم التي سجل تفاصيلها السيد "أرنولد توماس" في كتابه "انتشار الإسلام". 

يرقب الواحد العجب العجاب من همة الصحابة وقوة ارتقَائهم بالعقيدة وشغفهم بالدعوة واستعدادهم للتضحية، وسمو أخلاقهم التي أثرت تأثيرا كبيرا في الشعوب التي خاطَبوها بالإسلام، فامتدت الفتوحات وامتدت البلاد، بل وفتحت القلوب قبل البلاد لنشر دعوة الله سبحانه وتعالى.

 ونعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام كما سمعنا آنفا من شيخنا الحسن ولد الددو (لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى والعمل الصالح) ومثل هذه الأحاديث النبوية التي لم تفرق بين الناس بل ساوت الناس في الكرامة الإنسانية، وفي أهلية التكليف.

4.المرأة من الحضيض في المعاملة إلى أعلى المدارج في الحضارة الإسلامية

النقلة الرابعة تم إعطاء الحقوق كاملة للمرأة بحيث انتقلت من الحضيض في المعاملة إلى أعلى المدارج في الحضارة الإسلامية، فالمرأة التي قال فيها عليه الصلاة والسلام (النساء شقائق الرجال) كما في الحديث الصحيح في مسند الإمام أحمد وابن أبي داوود والترمذي، هذه النقلة بالنسبة للعرب وبالنسبة للمجتمعات كلها التي كانت في ذلك الزمان ولقرون فيما بعد، المرأة التي كانت ممتهنة الكرامة، وكان ينظر إليها أنها متاع، جاء في القرآن الكريم جمع بين الجنسين المرأة والرجل في قوله تعالى (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ)[سورة الأحزاب الآية: 35]، ثم إلى عدة صفات، فربنا سبحانه وتعالى قال (والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) [سورة الأحزاب الآية: 35]، فهذه نقلة مهمة (النساء شقائق الرجال) وهذه التسوية (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)[سورة النحل الآية: 97].

 6.من الارتجالية والفوضى ومجافاة الانضباط إلى التخطيط والنظام

 فالإسلام في تنظيمه العبادات من صلاة ودخول الشهور وارتباط العبادات بالشهور، وانتظام الصفوف وما كان عليه المسلمون أثناء القتال وما إلى ذلك، إن كان في التشريع أو في الممارسات الإجتماعية، انتقلت الأمة نقلة حقيقية حضارية كبيرة جدا، إلى النظام والتخطيط والانضباط.

7. من التخلف والبداوة إلى العمران والحضارة

 كانت دعوة النبي عليه الصلاة والسلام من أهم مرتكزات التأسيس الحضاري، في المسار البشري، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يفقهنا في ذلك وأن ينفعنا.

«4 منهجيات».. بما دعا النبي عليه الصلاة والسلام الناس؟
الاهتمام بالإحسان قبل البيان

نلحظ من سيرته إذا تَتبعناها أنه كان يهتم بالإحسان قبل البيان، وأنه كان مما شاع في أوساطه صلى الله عليه وسلم خاصة صدق اللسان وأمانته، ثم لما بدأ بالدعوة إلى الله كان لكلامه تأثير كبير وهنا أستشهد بكلمة نفيسة قالها زعيم الأدباء الجاحظ على اعْتزاليته قال كلمة رائعة في كتابه البيان والتبيين "ألقى الله عز وجل على كلامه صلى الله عليه وسلم المحبة، وغشاه بالقبول، وجمع له بين المهابة والحلاوة صلى الله عليه وسلم، وهو مع استغنائه عن إعادته وقلَة حاجة السامع إلى معاودته، لم تقطع له كلمة، ولا زلت له قدم، ولا بارت له حجة، ولم يقم له خصم، ولا أفحمه خطيب بل يبُذ الخطب الطوال بالكلام القصير، ولا يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرف الخصم، ولا يحتج إلا بالصدق، ثم لم يسمع الناس بكلام قط"  

كما قالت السيدة خديجة في البخاري " كلا والله لا يخزيك الله أبدا إنك تصل الرحم وتقري الضيف وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الدهر بالحق" فهذه الأخلاق، وهذا الإحسان وخدمة الناس، فالأخلاق هي التي تؤثر فيما بعد في البيان فيكون له أثره في قلوب الناس.

الاهتمام بالقدوة قبل الدعوة

 النبي عليه الصلاة والسلام في علاقته بربه، وقوة شغفه بعبادة الله ومناجاته واجتهاده في قيام الليل، وإحسانه للناس واهتمامه بالفقراء والضعفاء، وإتقانه للأعمال واهتمامه بأصحابه رضي الله تعالى عنهم، فيما بعد عندما يخاطبهم النبي عندما يعرض عليهم الدعوة، أو عندما كان يوجههم أو يفتيهم، وكان لذلك أثر كبير في قلوبهم وانتقلوا من الجاهلية إلى الإسلام، ومن الشرك إلى التوحيد والإيمان.

الاهتمام بالتدرج ومراعاة الأولويات

فيها تحدث فضيلة الشيخ محمد الحسن الددو من قبلي، ولكن في الصحيحين لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن مما نستفيده من النبي حتى ينتبه الدعاة في عصرنا إلى هذا، عندما يتلقون الناس بالخطاب والأخذ بأيديهم إلى الطاعة، أو يرشدونهم أو يفْتونهم، فقال عليه الصلاة والسلام (إنك ستأتي قوما أهل كتاب "عرفه بالبيئة" فليكن أول ما تدعوهم إليه هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوك، وفي رواية فإن هم استجابوا لك فأعلمهم أن الله فرض عليهم في اليوم والليلة خمسة صلوات، فإن أجابوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتُرَدُّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائمَ أموالهم، واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجابٌ)

وهكذا علمهم النبي التدرج ومراعاة الأولويات البدء بالعقيدة والتوحيد وغرس الإيمان الصحيح القوي هو الركن الركين وهو أول الأول والعمل الصالح يليه ثانية في المرتبة.

كذلك السيدة عائشة في صحيح البخاري قالت (كان أول ما نزل من القرآن الكريم سور من المفصل فيها ذكر الجنة والنار فلما ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام)، ولو كان أول ما بلغهم الرسول صلى الله عليه وسلم لا تشربوا الخمر؟ لقالوا لا ندع الخمر أبدا، ولو كان أول ما بلغهم لا تزنوا؟ لقالوا لا نترك الزنى أبدا، مراعاة الأولويات وتقوية الإيمان في نفوس الناس، ونحن لسنا في زمن تغيير الأحكام ولكن نستفيد من منهجيات النبي في الدعوة إلى سبحانه وتعالى.

الذكاء الشديد المعجز في الخطاب

 فالنبي صلى الله عليه وسلم في الكثير من الأحاديث الصحيحة كان يسأل عن أفضل الأعمال، فكانت تتعدد إجاباته، مما يعني أن معرفة أهمية المدعو والمخاطب ومعرفة حاله، وما يحتاج إليه في هذه الحال وينبني على ذلك الجواب، وهذا مما يدل على الحضور الذهني وأهمية التعرف على أنماط الناس وحاجاتهم، وما هم فيه من ظروف وإعطاء الجواب الذي يلائم الشخص، مما هو تحت مظلة الحكم الشرعي، لما جاء الشاب كما في مسند الإمام ومعجم الطبراني الكبير جاء شاب إلى النبي وقال له يا رسول الله ائذن لي بالزنا فهب الصحابة رضي الله عنهم إليه ينْهروه، لكن النبي طلب منهم أن يدنوه إليه فلما دنا خاطبه النبي وحرك عاطفته وخاطبه بعقله بقوله أترضى الزنا لأمك، لأختك، لخالتك، لإبنتك؟ فقال الشاب لا يا رسول، ولِحنو النبي، وعاطفته الشديدة تجاَهه، وضع يده على صدر الشاب ودعى له اللهم طهر قلبه واغفر ذنبه.. حتى أنه لما خرج من عند النبي كان أكره شيء له هذا الفعل الذي هو الزنا. 

الذَكاء في الخطاب بمقتضى ظروف الإنسان ومقتضى الزمان، وتقدير الضرورات التي يعيش فيها المسلمون أمر مهم.

ما هي الوسائل والأدوات التي استثمرها عليه الصلاة والسلام في الدعوة إلى الله؟

كل الوسائل التي لا تتعارض مع ما أوحى الله به إليه كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بها، ويستثمرها في الدعوة إلى الله: مجالس العلم، خطب الجمعة، الخطب العامة مثل حجة الوداع، الدنو من الشخص والاهتمام به وإرشاده، الصعود على المنبر، الذهاب إلى الأسواق التي يجتمع فيها الناس وهكذا، النبي عليه الصلاة والسلام، الأدوات التي كانت متاحة في عصره مما يوجب علينا في عصرنا الآن أن نستثمر ذلك.

 ومن النقلات التي جدت علينا ونستخدمها في التواصل وسائل التواصل الاجتماعي، وسيبقى هذا التطور التكنولوجي سائرا في حياة البشر، وعلى الدعاة طالما أنها وسائل لا تتعارض مع تعاليم الإسلام، أنا أدعو أن لا نتأخر في استثمار هذه الوسائل في الدعوة إلى الله وهداية الناس ونشر الخير، والخدمة العامة التي تؤثر في الناس وتحبب في الإسلام.

ففي نصرة النبي عليه الصلاة والسلام هناك برنامج الداعية فاضل سليمان وهو برنامج في التعريف عن النبي عليه الصلاة والسلام، يتكون من ثلاثين حلقة، كل حلقة تتحدث عن حصلة أو صفة مما تميز به النبي عليه الصلاة والسلام في دقائق قليلة، استطاع هذا البرنامج أن يؤثر تأثيرا كبيرا في بريطانيا حيث يبث، وامتد التأثير إلى دول الغرب، وهذا من جهة ذكاء في الخطاب، ومن جهة أخرى استخدام الوسائل المتوفرة واستثمارها والصبر في استخدامها للتعريف بالإسلام، ونشر الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.

والدعاة إلى الله عز وجل كثر وفي كل مكان لهم تأثير كبير وهنا أنوه بداعية لقب بالأسطورة الداعية عيد الرشيد إبراهيم الداغستاني الذي عاش 99 سنة، 87 سنة منها خارج تاراغستان، أرسله أهله وعمره 11 سنة إلى الحرمين لأخذ العلم، ثم عاد إلى بلده، ذهب إلى كوريا وإلى اليابان وهو أول من أدخل الإسلام إلى اليابان، ومع مجموعة من الإخوة اليابانيين والعرب مثل الدكتور صالح السامرائي كان له السبق في بناء أول مسجد في طوكيو، من يقرأ مذكراته التي سجلها على مدار حياته، شيء عجيب في التفاني اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحرص على هداية الناس، بكوريا خلال 20 سنة من 1980 إلى 2000 كوريا سجل فيها 14000 براءة اختراع.

 مما يعني أن هناك تقصير في تبليغ الدين وعمران الحياة، الإمام الماوردي رحمه الله تعالى تكلم عن إقامة الفرض وعن عمارة الأرض، والإمام الراغب الاصفهاني تكلم عن تفصيل النشئتين وتحصيل السعادتين.

 

وحتى نسجل نفحات في الدعوة إلى الله تعالى ينبغي لنا أن:

  • نتقن فن الدعوة، وهداية الناس وهذا ما تحتاجه البشرية، وهي الآن في حالة تيه وإعراض وضياع.
  •  نتقن العلم والعمل، وهذا ما نوه به سارتون وأعجب بانجازات المسلمين في مجالات العلم الكوني لما كانت لهم حضارة زاهية، نحن اليوم نستطيع أن ننجح النجاح الباهر ونخدم ديننا وننشر دعوتنا.
  • نقدم الإسلام كما أمرنا الله سبحانه وتعالى.
  • نُعمّر الأرض على أحسن ما يكون، وأن نحقق التفوق.

 وهناك سبق مادي ضخم جدا نعترف به بيننا وبين الغرب، الغرب بحاجة إلى رفاهية الروح، بحاجة إلى التعرف على الرب الموجود، فهذا واجبنا أمة الإسلام، علينا أن نستحث الخطى للتفوق في العلوم والتكنولوجيا واستثمارها في الدعوة إلى الله.

في الختام ما دعى النبي وما استعمله في الدعوة من الوسائل والأدوات، أمور يكثر الكلام فيها، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الرشد والرشاد، وأختم بكلمة لإمام فذ من الدعاة المعاصرين: (إنما تنجح الدعوة إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها). 

الإيمان والإخلاص والحماسة والعمل، فَأساس الإيمان القلب الذكي، وأساس الإخلاص الفؤاد النقي، وأساس الحماسة الشعور القوي، وأساس العزم العمل الفتِي.

نسأل الله أن يرزقنا قلوبا ذكية، وأفئدة نقية، ومشاعر قوية، وعزائم فتية، إنه سبحانه أكرم الأكرمين. جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم على صبركم واهتمامكم، وأكرر الشكر للإخوة العلماء، وأستغفر الله أن أحاضر بحضورهم، وأشكر القائمين على هذا الملتقى المبارك ومؤسسة عمران، والسلام عليكم ورحمة الله والإكرام.