تنجح المنظمات الإنسانية في التخلص من المشكلات التي تعترض تحقيق أهدافها باستخدام التفكير النظمي، وتُخفق كثيرا إن اكتفت بالتفكير المنطقي الخطي، فما هو التفكير النظمي؟

التفكير النظمي


إطار مفاهيمي لرؤية الأشياء، ويضم مجموعة من المبادئ العامة والحقول الفرعية كأي علم من العلوم، ولديه الأدوات والأساليب الخاصة به، ومن يمارس التفكير النظمي يستطيع رؤية النظام بصورة كلية مع رؤية أدق التفاصيل والعلاقات التي تربط بينها، تماما كمن ينظر للغابة ليرى شكلها الخارجي ويرى سيقان أشجارها في الوقت ذاته، فهذا التفكير يرى الارتباطات الدقيقة بين التفاصيل التي تعطي الأنظمة خصائصها الحية.
التفكير النظمي يعلم المنظمات كيف تفكر عن العالم الذي تعيش فيه، إذ يمنحها الفعالية الحقيقية في فهم التعقيدات الدينامية التي تعيشها بشكل متكامل، وبطريقة مختلفة عما اعتاده بعض الإداريين بالنظر للأمور بطريقة مجزأة تمنعهم من رؤية الصورة كاملة والعلاقات بين الأجزاء المكونة للنظام.

يركز جوهر التفكير النظمي في:

  • رؤية العلاقات الداخلية بين مكونات النظام جميعا وما ينتج عن مجموع تلك العلاقات، أكثر من الاكتفاء بسلاسل السبب والمسبب الخطية التي تمثل التفكير المنطقي الخطي.
  • رؤية أساليب التغيير وعدم الاكتفاء برؤية الصورة العامة للنظام.

التفكير النُظُمي يهتم بالتغذية الراجعة "feed-back التي تصحح سير النظام باستمرار، فالمفكّر نظميا يرى الواقع عبارة عن حلقات حلقات سببية seeing circles of causality ، فشبكة العلاقات الإنسانية تتفاعل وتتأثر في مستويات المنظمة في الاتجاهات جميعا، عبر حلقات متتابعة تبدأ صغيرة ثم تأخذ في الاتساع حتى لا يتبقى أي عضو لا يتأثر بأي مشكلة تنشأ في المنظمة أو احتمالية أن يكون جزءا منها، وتجد أشخاصا كثيرين مسؤولين عن تلك المشكلة، ومن لا يفكر نظمياً يفكر منطقيا فيرى الواقع خطوطاً تربط بين السبب والنتيجة، أي غالبا ما يرى للمشكلة سببا ظاهريا واحدا فقط ، ويعود سبب هذه الرؤية للمعتقدات التي يحملها الفرد،  وحتى تتغير طريقة رؤيته للواقع، عليه تغيير معتقداته لرؤية الواقع بشكل حلقات، ودون هذا سيظل يرى العالم بوجهات نظر جزئية قاصرة تمنعه من الوصول لجذور المشكلات في النظام، ففي التفكير الخطي هناك شخص يلام دائماً على أنه السبب، أما في التفكير النظمي تقع المسؤولية على مجموعة كبيرة من الناس، فكل فرد في النظام يعترف بأنه مسؤول عن الخطأ، وبإتقان التفكير النظمي نتخلص من مسلمة أن هناك فرداً مسؤولاً، ونعتمد التغذية الراجعة التي تفيد بأن كل الأشخاص الذين يعملون في النظام يتحملون مسؤولية المشاكل في النظام، فمثلا من يفكر نُظُميا عند علاجه لمشكلة تدني التحصيل الدراسي في المدرسة ستجده يبحث عن جذور المشكلة في مكونات المدرسة المادية والبشرية جميعا والبيئة التي تحيط بها وتتفاعل معها، ولن يهمل أي مكوّن, ويحصل على التغذية الراجعة لتطوير الأداء باستمرار, وليس لتنفيذ عقوبات ضد فرد في النظام المدرسي، فلن يختزل المشكلة بأحد العاملين منفردا، لأن تلك المكونات تتفاعل وتتأثر نظرا لطبيعتها الإنسانية، فلا يستخدم أحدهم كبش فداء إيمانا منه أن ليس هناك فردا مسؤولا، وإنما هناك زملاء يتفاعلون يؤثرون ويتأثرون.

تعد عملية التغذية الراجعة المعززة والمتوازنة التفاصيل أساساً للتفكير النظمي، فعندما تسير الأمور وتتطور داخل النظام يحتاج لتغذية راجعة معززة، ويحتاج النظام للتغذية المتوازنة عندما يكون هناك سلوكٌ يوجهه هدفٌ من أهداف النظام، وهذا الهدف يمتاز بالوضوح، فعملية التغذية الراجعة المستمرة في النظام تكشف أبسط التغييرات التي من الممكن أن تؤثر في النتائج، سواءً كان الأمر إيجابا أم سلباً، وتسمح برؤية النظام والكيفية التي يعمل بها، وتكشف التغذية الراجعة المتوازنة مصادر المقاومة والاستقرار في النظام؛ فالفرد في أي نظام يفضل الاستقرار والثبات، ولذلك إن كان هدف النظام يتفق مع رغبة الفرد سيكون سعيداً بعمله، وإذا كان الأمر غير ذلك، سيوجه الفرد جهوده لتغيير الهدف أو إضعاف تأثيره، فالطبيعة تفضل التوازن، لكن في كثير من الأحيان يعمل صنّاع القرار عكس ذلك، فيدفعون الثمن.

فالتفكير النظمي ينظر إلى أن النظام العام للمنظمة يتكون من أنظمة فرعية ترتبط بشبكة علاقات، أي إنه يهتم بالتفاصيل إذ تسير الأنظمة الفرعية وفق مجموع عقول الذين يعملون بها، والاهتمام بالتفاصيل بين الأفعال والنتائج، والاستفادة من التغذية الراجعة التي يحصل عليها من الاهتمام بالتفاصيل، فعدم إدراك شبكة علاقات التفاصيل داخل النظام يقود لعدم ثباته، وبالتالي فشله.