من أسباب الهدى حسب سنته سبحانه وتعالى في الهداية والضلال الاتباع، هو السير وفق الشرع ومقتضاه، وإطراح كل شيء يخالف هدى الله تعالى، وطاعة الله في طاعة رسوله ﷺ فهو المبلغ عنه، وبهذا فإن الاتباع يشمل الالتزام بما ورد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ، من عقائد وأحكام وأوامر ونواه وآداب وأخلاق، وكل ما يرشد إليه كتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله ﷺ، فالاتباع ليس مجرد شعار يرفع، وإنما هو تحقيق معناه في قلب المسلم وجوارحه وأفكاره. (السنن الإلهية في الحياة الاجتماعية، 1 / 248)
ونجد القرآن والسنة المطهرة، يركزان على الاتباع ويعتبرانه مناط الهداية، والطريق الموصلة إلى السعادة والنجاح والفلاح في الدنيا والآخرة، ومن أعظم الدلائل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى قد بين أهمية الاتباع وأثره في الوصول إلى الهدى وتجنب الضلال عندما خلق آدم وأنزله إلى الأرض، قبل أن يرسل أنبياءه ورسله، فكان ذلك دليلاً حاسماً على ما للاتباع من أهمية ومكانة في الوصول إلى الهداية والنجاة، قال تعالى: "قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" (البقرة: 38)، وقال أيضا:"قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُ مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى". (طه: 123)
وقد ربط الله -عز وجل- بين طاعته واتباع نبيه ﷺ وبين الهداية فجعل الطاعة والاتباع سبباً للهداية والرشاد، قال تعالى:"قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّاحُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ". (النور: 54) فأخبر جل ثناؤه أن الهداية إلى المنهج القويم المؤدي إلى الفوز والفلاح في طاعة الرسول لا في غيرها، فإنه متعلق بالشرط ينتفي بانتفائه، وليس عليه إلا البلاغ والبيان. (في ظلال القرآن، 4/ 2528)
وقال تعالى:"قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (المائدة: 15- 16)، بين سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن من اتبع كتاب الله -وهو ما رضيه لعباده- فإن الله عز وجل يكافئه على ذلك بثلاثة أمور:
أولها: أنه يهدي من اتبعه سبل السلام التي يسلم بها في الدنيا والآخرة من كل ما يرديه ويشقيه (تفسير المنار، محمد رشيد رضا (6/ 350)، فاتباع هذا القرآن يسكب السلام في الحياة كلها، سلام الفرد وسلام الجماعة، سلام العالم وسلام الضمير، سلام العقل وسلام الجوارح، سلام البيت وسلام الأسرة وسلام المجتمع وسلام البشر والإنسانية، والسلام مع الحياة ومع الكون، والسلام مع الله رب الكون والحياة والسلام الذي تجده البشرية، ولم تجده إلا في هذا الدين وفي منهجه ونظامه وشريعته ومجتمعه الذي يقوم على عقيدته وشريعته حقاً، إن الله يهدي بهذا الدين الذي رضيه طرق السلام كلها. (في ظلال القرآن، 2 / 863)
الثاني: أنه يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، أي يخرجهم من الكفر إلى نور الإيمان بتوفيقه وهدايته لهم، لأن الجاهلية كلها ظلمات؛ ظلمة شبهات وخرافات وحيرة وقلق وانقطاع عن الهدى ووحشة واضطراب قيم.
الثالث: الهداية إلى الصراط المستقيم وهو الطريق الموصل إلى المقصد والغاية من الدين في أقرب وقت، لأنه طريق لا عوج فيه ولا انحراف، فيبطئ سالكه أو يضل في سيره، وقد جعل الله -عز وجل- اتباع رسوله فيما جاء به سواء كان مبيناً لمجمل القرآن أو مقيداً لمطلقه، أو مخصصاً لعامه أو منشئاً لأحكام جديدة لم ترد في القرآن، جعل ذلك سبباً من أسباب الهداية، قال تعالى: "قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ". (الأعراف: 158) (السنن الإلهية في الحياة الاجتماعية، 1 / 250)
وأخبر النبي ﷺ أن التمسك بسنته عصمة من الزيغ والضلال والفتن، فقال: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة".
وقال تعالى على لسان نبيه محمد ﷺ مبيناً أنه عليه الصلاة والسلام لا يتبع أهواء الكافرين، لأن في ذلك انحراف عن الصراط المستقيم وسبيل إلى الضلال:" قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ" (الأنعام: 56)، أي: لا اتبعكم على ما تدعونني إليه لا في العبادة ولا في غيرها من الأعمال لأنها مؤسسة على الهوى، وليست على شيء من الحق والهدى، فإذا فعلت ذلك فقد تركت محجة الحق وسرت على غير هدى فصرت ضالاً مثلكم وخرجت من عداد المهتدين.
وقال تعالى:"وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا" (النساء: 115)، أي: ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول ﷺ صار في شق والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعد ما ظهر له الحق وتبين له واتضح له ويتبع غير سبيل المؤمنين، هذا ملازم للصفة الأولى:"نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا" (النساء: 115)، أي: إذا سلك هذا الطريق جازيناه على ذلك بأن نحسها في صدره ونزينها استدراجاً له وجعل النار مصيره في الآخرة، لأنه من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة.
ومن هذه النصوص وغيرها يتبين أن الاتباع مجلبة للهداية والرشاد، وعدم الاتباع موقع في الزيغ والضلال والهلاك. (السنن الإلهية، 1/ 253)
ملاحظة هامة: اعتمد المقال في مادته على كتاب: "الإيمان بالقدر"، للدكتور علي الصلابي، واستفاد المقال كثيرا من مادته من كتاب: "السنن الإلهية"، لشريف الخطيب.