بيَّن نوح عليه السلام أهمية الإخلاص لله عزَّ وجل في مسيرته الدعوية، وجرد نيته من جميع الشوائب وحظوظ النفس والطمع في الدنيا، وإنما أراد بعمله ودعوته وجه الله عز وجل، وبين لقومه أنه لا يريد منهم على دعوته أجراً ولا ثناء، وليس له من وراء دعوتهم مصلحة يرجوها منهم إلا ما كان من الله عز وجل.

- ففي سورة الشعراء قال: ﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 109].

- وفي سورة هود قال: ﴿وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالا إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ ﴾ [هود: 29].

- وفي سورة يونس قال: ﴿فَإن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: 72].

وهذا وحده كافٍ في إثبات صدقه وإخلاصه لله عز وجل، وأنه رسول من عند الله وإلا فكيف يعقل أن يخرج نوح عليه السلام من مألوف قومه من عادات وتقاليد وأعراف وعبادات للأصنام، ويطالبهم بالتخلي عنها ثم يدعوهم، بدلاً من ذلك كله إلى الإيمان برسالته التي هي على النقيض من ذلك كله، وهو يعلم مسبقاً أنه يتعرض من قبل قومه؛ بسبب دعوته لكل صنوف العذاب بدءاً بالسخرية به، وانتهاءً بالتهديد له بالرجم، وكان الأجدر بهم أن يتساءلوا فيما بينهم لماذا يتحمل نوح عليه السلام كل هذه المتاعب، ويتعرض لكل هذه المخاطر، ولو فعلوا ذلك لأدركوا أن هذا الأمر الذي يدعوهم إليه نوح عليه السلام أكبر من كل ما يتوهمون فيه من أنه أراد به تحقيق جاه، أو منصب أو مكسب من مال أو غيره من المصالح الدنيوية فيما يزعمون. (أبو بكر، 2017، ص39)

وبيَّن الله عز وجل من أسباب نجاة نوح عليه السلام، كونه من المخلصين ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ* إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الصافات: 73- 74]، وقد تعلمت البشرية المؤمنة بالله عزَّ وجل في ميلاد الحضارة الإنسانية الثانية من نوح عليه السلام:

- أهمية أن يكون العمل القلبي والبدني والقولي خالصاً لله تعالى.

- أن يتجرد الإنسان من الدنيا ويزهد فيها، ويجعل أعماله في عمارة الأرض وخلافتها، عبادة خالصة لله.

- أن يسعى الإنسان المؤمن لرضى خالقه العظيم غير متأثر بمدح ولا بذم، كما رأوا في سيرة وقصة نوح عليه السلام.

ولقد وجه نوح عليه السلام ضربة موجعة ومؤلمة لإبليس من خلال قيمة الإخلاص وصفة الإخلاص وخُلُق الإخلاص، ونجا من وساوسه، وكذلك من سار على هديه، قال تعالى: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [ص: 82- 83]، فقد اعترف إبليس سلفاً أنه لا سلطان له على الخلاصة الصافية من عباد الله تعالى المؤمنين الصادقين، ويئس منهم قبل أن يراهم. (الرقب، 2010، ص142)

ومما ساعد نوح عليه السلام في تحقيق هذه الصفة وهذا الخلق في نفسه وأتباعه الذين أنشؤوا الحضارة الإنسانية الثانية توفيق الله لهم ودوام المراقبة لله، واستشعار عظمته مما رأوا من أحداث جسام وطوفان عظيم، ونجاتهم في الفلك المشحون، وتذكرهم لليوم الآخر ومشاهده الرهيبة، ومحاسبة نفوسهم على الدوام وعدّ خطواتها وأنفاسها واستصغار شأنها واتهامها في أعمالها والتوبة والاستغفار على الدوام. (الرقب، 2010، ص142)

يعلمنا نوح عليه السلام أن الدعوة إلى الله عزَّ وجل وإلى توحيده وعبادته إن لم يصاحبها الإخلاص لله سبحانه وتعالى وابتغاء وجهه العزيز وعدم الطمع في الأجر من الناس أو نيل أي عرض من الدنيا، فإنها دعوة منزوعة البركة، عديمة الأثر على الناس فوق ما فيها من فوات الأجر والثواب من الله تعالى، وهذا أمر يجب أن يتفطن إليه الدعاة إلى الله سبحانه أفراداً وجماعات، والحذر من أن تتلوث النيات بهذه الدنيا الفانية، سواء كانت هذه الدنيا ملاً او جاهاً أو منصباً أو ثناءً أو شهرة أو غير ذلك، ويجب أن يكون لنا الأسوة الحسنة في نوح - عليه السلام - حيث أعلنها في بداية دعوته أنه لا يبتغي من الناس أجراً ولا مالاً على دعوته لهم، إنما أجره على الله عز وجل، ولقد قالها كل نبي لقومه فصارت معلماً مهماً من معالم دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجب الوقوف عنده ومحاسبة النفوس على ضوئه وهديه. (الجليل، 1998، ص156)

إنَّ إخلاص نوح عليه السلام لربه، وترفعه على الدنيا وزخرفتها، وإرادته وجه الله عز وجل في كل حركة وسكنة من حياته، معلم من معالم الاقتداء بنوح عليه السلام في حياته من الذين آمنوا به وكذلك بعد مماته، واستخراج ذلك من سيرته وقصته.

إنَّ قصة نوح عليه السلام إفادة لبني الإنسان الباحث عن الحقيقة، وإن الإخلاص للخالق العظيم له آثار على الفرد منها: (الوهيبي، 2006، ص363)

- الخلاص من الكوارث الكبرى والطوفان العظيم.

- ولاية الله للمخلصين، فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله تعالى، فالناس متفاضلون في ولاية الله بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى.

- حصول الأمن والاهتداء والنجاة من المخلوق.

- نزول السكينة في القلب.

- الثبات على الدين.

- السلامة من إغواء الشيطان.

- إجابة الدعاء.

- القبول في الأرض والذكر الحسن، وغير ذلك من الآثار.

وأما آثاره على المجتمع الجديد الذي كان نواة الحضارة الإنسانية الثانية، فقد تغلغلت هذه الصفة في نفوس أفراده الذين كانوا في سفينة النجاة، وغرست في الأبناء الجدد، وتوارثتها الأجيال، فمن آثار الإخلاص على النواة الجديدة الإنسانية:

- دخول أفراده في ركب أهل الإيمان.

- حلول السلام والبركات وكثرة الخيرات.

- النصر والتمكين في الأرض.

- حصول الأمن والهداية للمجتمع الناجي من الطوفان وغير ذلك من الآثار.

وأما في الآخرة فالنجاة من النار ودخول الجنة وحصول رضا الله عز وجل.