إن من صفات الله الدائمة أنه كثير المغفرة لعباده، فصيغة "غفّار" من صيغ المبالغة، ووصْف الله بصيغة المبالغة لا مبالغة فيه، بل هي الصيغة الأقرب للدلالة على حقيقة صفة الله عز وجل. واستعمال فعل "كان" للدلالة على الكينونة المستمرة، والوجود الدائم، وهكذا سائر النصوص التي استعمل فيها هذا الفعل بالنسبة إلى صفات الله عز وجل.[الميداني، نوح عليه السلام وقومه في القرآن المجيد، ص 185].

و"الغفّار": سبحانه وتعالى: الستّار لذنوب عباده، والمسدل عليهم ثوب عطفه ورأفته، ومعنى الستر في هذا: أنه لا يكشف أمر العبد لخلقه، ولا يهتك ستره بالعقوبة التي تشهره في عيونهم. [الخطابي، تفسير الأسماء، ص 38].

قال ابن القيم:

وهو الغفور فلوأتى بقرابها من غير شرك بل من العصيان

لأتاه بالغفران ملء قرابها سبحانه هو واسع الغفران

قال الشيخ السعدي: الغفور الذي لم يزل يغفر الذنوب، ويتوب على كل من يتوب. [نونية ابن القيم، 2/ 231].وقال أيضاً: العفو والغفور والغفار: الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً، كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه، وقد وعد بالمغفرة لمن أتى بأسبابها، قال تعالى:

﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى﴾(طه: 82).
ومن ثمار الإيمان بأسمائه "الغفور والغفار": 

- محبة الله عز وجل وحمده وشكره على رحمته لعباده، وغفرانه لذنوبهم، وهذا الأثر يثمر في قلب المؤمن توقي معاصي الله تعالى قدر الطاقة، وإذا زلّت القدم ووقع المؤمن في الذنب فإنه يتذكّر اسمه سبحانه الغفور والغفار، فسيرى الرجاء في قلبه، ويقطع الطريق على اليأس من رحمة الله تعالى، ويُحسن الظن بربه الذي يغفر الذنوب جميعاً.

- فتح باب الرجاء والمغفرة للشاردين عن الله تعالى، والمسرفين على أنفسهم بعظائم الذنوب كما قال تعالى:

﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَاتَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾(الزمر: 53).

- الإكثار من الأعمال الصالحة والحسنات لأنها من أسباب الحصول على مغفرة الله تعالى للسيئات السالفة، قال تعالى:

﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾(هود: 114).

وقال سبحانه:

﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾(طه: 82)

[عبدالعزيز بن ناصرالجليل، ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، ص 570].وقوله صلى الله عليه وسلم: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها"

إنَّ من أسباب الرخاء في الأفراد والمجتمع اللجوء إلى الله بالتوبة والاستغفار، وقد ربط الله عز وجل في كتابة الكريم بين الاستغفار والتوبة، ونزول الغيث، وزيادة القوة، وكثرة الأولاد والبنين، والمتاع الحسن، هذا ما بيّنه الله في كتابه على لسان نوح عليه السلام مخاطباً قومه: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾(نوح: 10- 12).

ففي هذه الآية دليل على أن الاستغفار يُستنزل به الرزق، فنوح أمرهم بالاستغفار والذي هو الإقلاع عن المعاصي، وطلب المغفرة من الله على الذنوب السابقة، وهذا ربط بين القيم الإيمانية والقيم المادية، فما كان للحياة المادية أن تسير في عزلة عن هذه القيم الأصيلة، وما كان لها أن تؤتي ثمارها من دونها، ولئن كان يبدو لنا في بعض الأحيان من حياة الأمم أن هذه القاعدة لا تنطبق،إلا أن هذا هو الابتلاء بعينه، والذي يقول فيهم القرآن:

﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾(الأنبياء: 35).

ثم إن ذلك الرخاء الذي لا يستند إلى قيمة الإيمان، إنما هو رخاء زائف موقوت بالنسبة لأعمار الشعوب والدول والحضارات، رخاء تأكله آفات الاحتلال الاجتماعي والانحلال الأخلاقي، والظلم والبغي وإهدار كرامة الإنسان، وما المجتمعات الأوربية المنحلّة حديثاً إلا أكبر شاهد على ذلك. [السنن الإلهية في الحياة الإنسانية وأثر الإيمان بها في العقيدة والسلوك،1/ 423].