كانت الإنسانية جمعاء تُفترسُ بين أنياب الجاهلية، وكان قد خيّم عليها ظلامٌ دامس جعل ليلها صامد؛ إلا أن المولى عز وجلّ لم يكتب على مخلوقاته شقاء سرمدى، ولم يجعل لكونه لوناً واحدا بل ألوناً شتى فكان بكن انبعاث سيراجاً منيراً بدد الليل الأليل وأشرقت بنوره الأنفس. إنها الصيحة المحمدية خاتمة الصيحات وجامعة الخيرات البركات. السؤال المهم الذي يدور المقال للإجابة عليه تمت المهمة المحمدية بكمال، ولكن هل حافظة الإنسانية عليها بعد وفاته بأبي هو وأمي؟ والسؤال موجه لإنسان اليوم لا إنسان عصور ما بعد الرسول.
تركنا عليه الصلاة والسلام أمة واحدة كالجسد الواحد، ومن مساعيه الجلية الظاهرة منذ بداية دعوته أن يكون ذلك الجسد الواحد "الأمة"، ولم يرحل إلى جوار ربه إلا بعد أنْ تكون الجسد وغدت الأمة واحدة لا راية لها سوى الراية الإلهية المحمدية. 
المؤسف أننا تشرذمنا من بعده وأصبحنا طرائق قددا، ونحتنا مذاهب وأفكار فرقتنا ولو في جزئيات الأمور، والمؤسف أن بعض حاملي لواء الدعوة أصبحوا يغردون بتغريد الفرقة والشتات وأصبحوا أبواقاً لِما يفرق لا يجمع، بُترت رايتهم وضاقت أرضهم فنادوا باسم الحيز وباسم العضو الواحد في حين أن دعوة سيد الدعاة جامعة مانعة باسم الجسد الواحد يقول تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه) [سورة آل عمران، الآية 31] 
إنّ اتباعه في أن نعيد بنيانه وتأسيسه، وأن نزيل الغبار عمّا شاب ما جاء به، وأن ندعو لخطاب الأمة الواحدة خطاب المنفعة والخير والبركة الخطاب الذي واقعيته تعني مصلحة الأقطار المكونة للأمة الواحدة. لا إشكال في التنوع والتباين والاختلاف بل الأصل هو ذلك، لكن الذي هو إشكال أن تنقلب الأمور فيصبح الجزء هو الأصل والكل هو الشاذ، صلى الله عليه وسلم وجد الرايات متقاطعة متباعدة فدمجها ورصّها تحت راية جامعة واحدة وجعلها هي الأصل، وطوق النجاة اليوم أو بعده هو في إعادة تلك الراية خفاقة سائحة المنفعة. ويقول في ذلك: (المسلمون كالجسد الواحد)

خطى لنا في سيرته كيف تدار الحياة؟ وكيف تمضي على النحو الذي يرضي الله ويُعمِّر الأرضَ وفق مراد المولى جلّ شأنه؟ وبما يعود على الجموع البشرية وغير البشرية بالخير الوافر. 

إن إدارة الشؤون ذا أهمية بمكان، ووضع الفرد المناسب في المكان المناسب هو دأب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سنة من سننه عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، يقول في ذلك (إذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)
ماذا فعل مُدّعي الحب والاقتداء لمحمدٍ بهذه السنة الحميدة؟ من زاوية السلطة هل مَكّن من له دور توزيع الأدوار الشخص المناسب من دوره المناسب؟ هل اقتدى من له سلطة بقدوته فعلا أم أن السنة كلام مستغل من الأفعال؟ ومن زاوية الشعوب التي بيدها فرص اختيار من يُدير الشأن العام هل اقتدت وحررت القول بالفعل واختارت الصالح بدل الطالح اختارت أهل القيادة والإدارة فعلا أم أنها فرطت هي كذلك؟ الواقع والحال المعيش يُجيب على ذلك.
إن كنتَ محباً للحبيب قولا وعملا فاتبعه واختر ما اختار، اختر الفضلاء والعقلاء، اختر ذوي الكفاءة والخبرة والنبل والنزاهة. إدارة الشأن العام أساس مؤسس لذلك اقتدِ واختر من يقود ليعبد الله ويمكن الناس من حريتهم وحقوقهم وكرامتهم وتعمر الأرض وينشر العدل والسلام.
بأبي هو وأمي، ترك لنا ذكرى مهمة ذات شأن مركب ألا وهي حادثة الإسراء والمعراج هذه الذكرى الطيبة المباركة يقول تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) [سورة الإسراء، الآية1] هذه الذكرى هي تركة ووصية لأفراد الأمة المحمدية، لكن هل فعلا حافظنا على هذه التركة المباركة أم أننا تشعبنا عندها كما حدث لنا مع غيرها؟ حيث أصبح فينا من ينكر أي علاقة لنا بهذه الذكرى والمقصود هنا بالذكرى القدس، في حين أن نبينا كانت بالنسبة له قبلته الأولى ومعجزته الخالدة، ومكان معراجه إلى السماوات العلى وبلوغه أبعد نقطة سماوية سدرة المنتهى، ومسجده الذي صلى إماماً فيه لجموع الأنبياء والرسل، مهما حاول المتخاذلون التخاذل والكسالى الكسل تبقى سورة بأكملها تنبيها لنا ولهم؛ بأن القدس مكاناً إسلامياً مقدساً لا مكان فيه للأنفس النجسة. 
يا مسلم اليوم يا من تدعي حب الحبيب صلي عليه وتمسك بما تمسك، وأحبب ما أحب، ابغض ما يُبغض وعلى خطاه قدّم له بيت المقدس ولو زيتاً به توقد قناديله. لم يضرب، ولم يعنّف، ولم يسخر، ولم يرفع صوتاً في حياته لا في حقي صبيًّ، ولا امرأة فكيف حال مراكز التنشئة التربوية والتعليمية اليوم؟ أين حال الأساتذة اليوم من سيرته وهديه؟! 
إن المحب للحبيب يقتدي فاقتدوا يا معشر المحبين يا معشر المربين والمعلمين حياته صلى الله عليه وسلم نبراساً ومنهاجاً لكم، فما يحدث الآن في مجالي التربية والتعليم بعيد كل البعد عن نهجه. 
كم هي مدارسنا بحاجة ملحة إلى أن تعلق على مداخلها ومداخل حجراتها وأعلى السبورات والأهم من ذلك كله أن تُرسخ في عقول الأساتذة عبارة: (ما ضرب ولا عنّف ولا شحّ ولا رفع صوتاً قط لا على طفل ولا امرأة).