إلى أين يا صالح؟ أ للقاء أنس أم للقاء يقين أم العم خالد بمن ستلتقي في جنة الخلد يا صالح إلى أين؟ إلى أين أيها البار الأمين؟ إلى أين؟ إلى جنة النعيم، ما يؤسف حقاً أنها كانت بأيادي الغدر من المنافقين، أيا صالح طبت وطاب ثراك أيا صالح قد وصلت مبتغاك، أيا صالح نم قرير العين ففي الجنة مثواك. لم يكن ذنبك إلا أنك كنت من ثلة (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) ثلة اختاروا كهف الحرية رغم ضيقة وبأس أعدائه فيه، ثلة ما ارتاحوا ولا استراحوا (حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ) وما إن ابتسمت فرحاً بالنصر فرحة تشوبها غصة أن لم تكن مع الشهداء حتى اختارك الله شهيداً، لكن بثوب مختلف شهيد المهمة الأخيرة مهمة أرادها الله له، أراد الله على يديك أن تفضح الخونة أمام العالم أجمع، أن تظهر وجههم الحقيقي، أن تعريهم أمام أنفسهم وأمام العالم حتى إذا كان القصاص نادى الجميع أن لا بقاء لخائن. صالح لا أحد يعلم ما ستكون مهمته الأخيرة، لكنك كنت تعلم أنك لا يجب أن تتوقف عن التوثيق أبداً ليشهد العالم جرائم المحتل، فكانت إرادة الله أن تكون شهادتك توثيق لمعنى الخيانة والغدر والذل والنوع.

صالح لقد أيقظت جيلاً عزماً وهمة وحباً للشهادة ومقتاً لكل خائن ذليل، لست وحدك يا صالح فكل فرد في غزة يحمل شعلة أوقدت فينا وفي أجيالنا روحاً لن تخبو أبداً.

لماذا الغدر؟

لعل الجميع تسال بحنق بالغ وبألم شديد لماذا الغدر؟ ولماذا يظهر الخونة في كل مرحلة من مراحل التغيير؟ فقد ظهروا على مر العصور وباختلاف الثقافات والأزمنة بأشكال مختلفة وبألسنة عديدة حتى لا تكاد تخلو ثورة في العصر الحديث أو حدث مهم في السيرة النبوية إلا وظهر معه الخونة أو المنافقون فهم يبطنون ما لا يظهرون، سعياً في مكسب سريع، وتحقيقاً لسلطة آنية عاجلة حتى وإن كانت على حساب المواثيق والمبادئ والأخلاقيات وحتى الدين كل شيء مسوغ تحت مسمى المصلحة الخاصة أو تحت مسمى ما بيدنا شي نعمله أو تحت أي شعار لتبرير فعلهم رغم شناعته. إذا ما السبب وراء ذلك لعل الأسباب أكثر من أن توضع في هذا المقام لكن لأسرد بعضاً منها، التربية على الذل والهوان وتقديس الآخر وشتم كل محاولة للنهوض والتغيير، القبول بالقليل مقابل الراحة العاجلة فلا النفس تواقة ولا الروح مرتقية، وأيضاً كما يقول الدكتور عبد الرحمن الحرمى "أن الإيمان بالآخرة لم يتمكن من قلوبهم" فهم لا يرون أبعد من أنوفهم وكذلك التربية البعيدة عن العقيدة السليمة الصحيحة تنتج ولا بد أفراداً يشككون بكل محاولة للحرية فيختارون الطريق الأقصر وهو العمل للاحتلال تحت مسميات عديدة، أخيراً خلو المعنى الحقيقي للإسلام في نفوسهم وكما وصفه بن نبي "إن قوة التماسك الضرورية للمجتمع الإسلامي موجودة بكل وضوح في الإسلام ، ولكن أي إسلام؟. الإسلام المتحرك في عقولنا وسلوكنا والمنبعث في صورة إسلام اجتماعي". 

ماذا بعد؟

  استراح صالح ومعه آلاف الشهداء كلاً بقصته وسعيه وجهاده، سعي صادق نحو نعيم خالد ومرضاة من الله لا تزول، كل شهيد يروي قصة تحمل من المعاني والقيم التي تشعل في القلوب ما لن تسعه المجلدات وإن كانت بالمئات، تحقق النصر بفضل الله وإرادته لكن ماذا بعد؟ علينا أن نعي جميعاً أن هذه جولة بين الحق والباطل، وأن دورنا لم ينته بعد وأن الحقيقة لابد أن تضل مشعة بارزة مهما حاول العدو محوها أو تزييفها، وأن نجعل من صالح وأنس والعم خالد والعديد من الشهداء مثالاً لنا ألا نبرح حتى نصل وأن نقدم ما بأيدينا لا ما نحلم به، فكل حركة وكل سعي له أثر ولو بعد حين، وأن نجعل القرآن ربيعاً يزهر في صدورناً ويثمر في أفعالنا، أن نكون روح الإسلام الذي نادى بها بن نبي.

يا أم صالح 

يا ندية الخدين وجميلة العينين زففتِ صالحاً واستقبلت ناجي وانت بعيدة المسافات، قلبك يتوق لهم شوقاً وروحك تهفو إليهم لكن الله أراد وإرادة الله خير، يا أم صالح قطفتي الثمرة فأنت أم الشهيد، أعلم يقينا أن صالح لم يطلب رضاك عبثاً كان يريد سماع كلماتك تتردد في أذنيه لآخر لحظة ليقوى على فراقك فلا يقوى على فراق الأم أشد الرجال واعتاهم. يا أب صالح يا رجلاً في زمنٍ قل فيه الرجال جعل الله في قلبك الرضا وزادك طمأنينة وسكينة، كنت درساً لنا كيف نستقبل أقدار الله برضا وتسليم وبحمد وتكبير، جزاكم الله عن الأمة خيراً آل الجعفراوي.