عندما تخرج مؤقّتاً من معركة طويلة وأنت مثخن بالجراح، وأنتَ ما زلتَ في تيار المواجهة الشاملة فإن من سوء التدبير أن تضعف نفسك فوق ضعفها وأن تتلف موارد قوتك المحدودة.
يمكنك أن تخوض المعركة بالرواحل الموثوقة، وبأنصاف الرواحل، وبأرباعها وبأعشارها، ولم تكن سلامة الصف من تكتيكات القتال إلا في مواسم محدودة كما في مواسم البيعات الفاصلة، وتكون مؤقتة، وعندما تتأملون سيرة المصطفى فستجدون أن أكثر معاركه كان يسوق فيها المنافقين أو الحلفاء الطامعين في الغنيمة أو الظهور أو كانوا فيها عصبيةً وحَميّة، بل كانوا في بعض الغزوات فاشين فيها.

هذه الحروب الطويلة الشاملة تكشف الكثير من الثغرات والعيوب وربما الكوارث التي كانت كامنةً فيكَ أصلاً، لكنك تستّرتَ عليها أو تأخرتَ في علاجها أو عجزتَ عن إصلاحها، حتى استعْصَتْ، وهذا الظرف الآن هو الأسوأ في معالجتها لأنّك شديد الضعف، ثقيل الأعباء جدّاً أضعافَ ما كنتَ تتثاقل به سابقاً.

أولوياتُك الآن ينبغي أن تكون في مربع زيادة قدراتك وتوسيع ماعونها وتركيزها في مواجهة العدو، وليس تشتيتها في مواجهات داخلية ستنال منك وتسحب من رصيد قوتك، وتشْغلك، وهو ما يستثمر فيه العدوّ استثماراً هائلاً غير مكلف؛ وليس أمامك سوى أن تحاول مواكبة المستوى العالي من ذلك الطوفان بركوب موجةٍ من موجاته أو تركض مع إحداها قبل أن تذهب بعيداً عنك.
لعل العلاج الناجع الآن هو أن تجرّ المرضى جميعاً إلى مائدة الشفاء في أمر لا يستطيع فيه المريض أن يقول لك فيه لا، لأنّه قبل أن يتمكّن فيه المرض كان مثلك، والمشترك بينك وبينه أكثر بكثير من المفترق بينكما، فقد كان مشربكما ومطعمكما واحداً، وكانت تحليتكم واحدة، وما يزال أكثرها كذلك إذا تأمّلتم.
ولم أجِد علاجاً شافياً على سنّة المصطفى عليه الصلاة والسلام مثل إعادة برمجة الانغماس في أولويات العمل، ولاسيما ذروة سنامه، واختيار ساحاته المؤهّلة، في سياق ثوريّ شاملٍ يَستصحب الجميعَ – كيف كانوا وأي